تفسير قوله تعالى:(خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ.)
قال الله سبحانه وتعالى:{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[التغابن:٣] .
الباء في قوله تعالى:(بالحق) ، من أهل العلم من قال: إنها بمعنى اللام، أي: خلق السموات والأرض للحق، فلم يخلقها عبثاً ولا لهواً، بدليل قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الأنبياء:١٦] ، وقوله:{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الدخان:٣٩] ، وتقدم مزيد من التفسير لهذه الآية.
(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) هذه الآية كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:٤] ، ومن أهل العلم من جعل الضمير في قوله تعالى:((وصوركم)) راجعاً إلى آدم صلى الله عليه وسلم؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}[الأعراف:١١] ، فآدم عليه السلام صور في أحسن تقويم وفي أتم خلق، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم واصفاً خلق آدم:(خلق آدم وطوله في السماء ستون ذراعاً، فما زال الخلق في تناقص حتى الآن) .
ومنهم من قال: هو راجع إلى ذرية آدم، فربنا سبحانه وتعالى خلقها في أحسن الصور، ليست منكبة على وجوهها في الأرض، ولا تمشي على أربع، بل خلقها معتدلة حسنة الاستواء وقوله:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[التغابن:٣] : فيه دليل على أن الذي يصور هو الله سبحانه وتعالى، فليس لك من أمرك أيها الوسيم الجميل شيء، وليس لك من أمرك أيها الدميم شيء، فالذي صورك هو الله، والذي جملك هو الله، والذي خلقك على هذه الخلقة التي أنت عليها هو الله سبحانه وتعالى، فمن ثم لا يزدرى شخص لدمامته، ولا يغالى في حب شخص لوسامته وجماله؛ ولذلك يقول العلماء في تربية الأبناء: لا ينبغي أن تحتقر ولداً من أولادك لقلة جماله ودمامته، ولا أن تغالي في حب ولد لوسامته، فالذي يصور في الأرحام هو الله سبحانه وتعالى:{يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران:٦] ، ثم إنه سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الصور والأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال:{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[التغابن:٣] أي: المرجع والمآب.