للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية اجتماع الإيمان مع الشرك]

يقول الله سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] ، كيف ذلك؟ جمهور المفسرين يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥] ، ثم هم بعد ذلك يشركون بالله، ويدعون مع الله آلهة أخرى؛ فعلى هذا فقول جمهور المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .

أن هذا في مشركي الجاهلية، فالله يقول في شأنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٩] ، وكما قال تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:٨٨-٨٩] .

فهم يقرون بالله ويصدقون، ومع ذلك يشركون بالله، ويدعون مع الله آلهة أخرى اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، يدعون مع الله آلهة أخرى لتقربهم بزعمهم إلى الله زلفى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] .

فكان أهل الشرك يقرون بوجود الله، وأن الله سبحانه وتعالى خالق رازق، وأن الله هو الذي يحيي ويميت، كانوا يقرون بذلك، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:٣٢] ، فكانوا يقرون بوجود الله سبحانه وتعالى، وكانوا يقولون في تلبيتهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ويزيدون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك) ، فهذا وجه شركهم.

قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ، فهذه صورة من صور الشرك مع الإيمان بالله: أنهم يدعون مع الله آلهة أخرى، كالذين يدعون في زماننا الأموات من دون الله، ويطلبون منهم الغوث والمدد وهم قد ماتوا، ولا نعلم إلى أين صاروا، هل إلى جنة أم إلى نار؟ فالله أعلم بذلك، لكن لا يسوغ لنا بحال أن ندعو أحداً سوى الله سبحانه وتعالى، فجمهور المفسرين ينزلونها على أهل الشرك الذين يقرون بأن الله سبحانه خالق رازق، ومع ذلك يدعون معه غيره.