[حكم طلاق الغضبان وأقسامه]
قال تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:٥] بهذا تقريباً تنتهي أسس مسائل الطلاق.
وثم أنواع من الطلاق تجري بين الناس كطلاق الغضبان، فلزاماً أن يُبَيََّن: طلاق الغضبان للعلماء فيه تفصيل: فمن العلماء من يقول: إن طلاق الغضبان على أقسام ثلاثة، وأحكامه تنبني على درجة الغضب: القسم الأول: إذا كان الرجل قد غضب غضباً شديداً جداً، أخرجه عن عقله ولا يدري مع الغضب ما يقول، فطلاقه لا يقع، لأنه أصبح كالمجنون فيأخذ أحكام المجنون، ولا يقع طلاقه على رأي أكثر أهل العلم، بل نقل البعض الاتفاق على عدم وقوعه.
القسم الثاني من أقسام الغضب: هو غضب معتاد يجري بين الناس، وأنت في كامل عقلك وفي كامل تفكيرك وفي كامل اختيارك، قلت لها وأنت مغضب منها: أنتِ طالق.
قالوا: فهذا طلاقه يقع.
القسم الثالث: المرحلة المتوسطة بين الغضبين: وهو الغضب الشديد جداً الذي تدري معه ما تقول وتعلم ما تقول، فأنت تعرف الذي تقوله وتدري ما تقول، ولكنك لا تستطيع أن تمنع نفسك، فغضبت وانفعلت انفعالاً شديداً؛ مثلاً: زوجة جاءت ولطمت زوجها على قفاه لطمة شديدة، فقال لها: أنتِ طالق.
هو عارف الذي صدر منه، ولكن لم يستطع أن يمنع نفسه من شدة الغضب، فهذه هي التي اختلف العلماء فيها، فرأى فريق منهم أن مثل هذا الغضبان لا يقع طلاقه؛ لأنه قد حدث على عقله نوع من أنواع الإغلاق، وقد ورد حديث يعله أبو حاتم الرازي في كتابه العلل، وبعض العلماء يحسنه: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) والجمهور يفسرون الإغلاق بالإكراه.
ومن العلماء من أطلق القول في تفسير الإغلاق وقال: الإغلاق كل مؤثر يؤثر على العقل ويجعله يتصرف على غير طبيعته وغير هيئته، فقالوا: إن الغضب الشديد يحدث نوعاً من أنواع الإغلاق، والإكراه يحدث نوعاً من أنواع الإغلاق، والضرب الشديد والمرض الشديد كذلك.
مثلاً: شخص مصاب بحمى شديدة أثرت على عقله ببعض التأثيرات، فأصبح يتكلم بأشياء لا يستطيع أن يمنع نفسه منها، وإن كان يدري معناها، فهذه هي المرحلة المتوسطة من مراحل الغضب، التي فيها نزاع بين العلماء، ويرى كثير من أهل العلم: أن هذا المطلق لا يقع طلاقه، واستدل هذا القائل بحديث: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) وقد تقدم الكلام على سنده.
واستدل أيضاً بفعل موسى صلى الله عليه وسلم لما ألقى الألواح حين وجد القوم يعبدون العجل، وإلقاء الألواح بمنزلة إلقاء القرآن، وهذا كفر، لكن غفر ذلك لموسى صلى الله عليه وسلم، قالوا: فالطلاق من باب أولى، والله سبحانه وتعالى أعلم، هذا بالنسبة لطلاق الغضبان.
ففي الحقيقة أن إخواننا الذين يفتون في مسائل الطلاق عندما يأتي الرجل إليهم يقصر في وصف حاله، فيفتيه بعض الأفاضل من العلماء بفتيا، وأحياناً يذهب إلى عالم آخر فيسترسل معه في بيان مسألته ومشكلته ويقول: أنا مريض بالأعصاب، وهذه ورقة فيها علاجي، والجيران يشهدون، فيفتي العالم الذي فُصِّل له بقول آخر غير العالم الذي لم يفصِّل له، أو يأتي الوسيط في مسائل الطلاق ويقصر في النقل أو يحرف في الكلام أحياناً، وأحياناً يأتي الوسيط وينقل بدقة، فترى الأخ يتهم العلماء، وهو المتهم نفسه والمقصر نفسه في الذي نقل.
والله أعلم.