للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السلام على أهل الفسق ومصلحة فعله وتركه]

السؤال

كثيراً ما أمر في طريقي إلى المسجد على قوم في لهو وضلال يشربون الإثم ولا يلبون النداء، أفيجوز إلقاء السلام عليهم؟ وهل هذا السلام من باب الموالاة، علماً بأن بعض الناس يلومونني على هذا السلوك على اعتبار أن مصلحة الدعوة تقتضي تحبيب الناس في أهل السنة، كما أن هناك اعتبارات عديدة تمنعني من دعوتهم، منها: فارق السن، وعدم وجود صلة أو علاقة؟

الجواب

إن الأصل بين المسلمين أن يفشوَ السلام بينهم، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست، وذكر منها: وإذا لقيه فليسلم عليه) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألقِ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم، أفشوا السلام بينكم) .

وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم إذا تماشوا ففرقتهم شجرة، أو فرقهم حجر ثم التقوا، سلم بعضهم على بعض، وقال البراء بن عازب: (أُمرنا بسبع وذكر منها إفشاء السلام) .

فالأصل بين المسلمين أن يفشوَ السلام بينهم، إلا أنه قد يمنع إلقاء السلام لفائدة شرعية، كما لو كان الشخص على معصية، وترك السلام عليه يحمله على التفكير في معصيته، فليمتنع عن إلقاء السلام عليه حتى يفيء ويرجع إلى الحق ويترك المعصية التي هو عليها، فيكون الامتناع عن إلقاء السلام لعارض، ولعلة وهي أن يفيء إلى الخير.

والشواهد على ذلك كثيرة، فالنبي عليه الصلاة والسلام امتنع عن رد السلام -فضلاً عن الإلقاء- على كعب بن مالك خمسين ليلة.

وعمار بن ياسر قال: (أتيت وقد تشققت يداي بزعفران، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام، وقال: أرجع فغير هذا) .

فإذا كنت تطمع من عدم رد السلام، أو من عدم إلقاء السلام فيئاً ورجوعاً إلى الخير فامتنع، ونحن نوقن أنهم -إن شاء الله تعالى- سيتأثرون بإلقائك؛ لأن الرسول قال: (أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) .

وهم وإن كانوا من أهل المعاصي فهم مسلمون، ولن يلتفتوا إلى كونك تترك السلام عليهم؛ لأنهم عصاة، وسيقولون في أنفسهم هذا من التكفير والإجرام؛ إذ هذا تفكيرهم، بخلاف ما لو مررت بواحدٍ من إخوانك الجالسين في المسجد ولم تلقِ عليه السلام، ففهم أنك لم تلقِ عليه السلام لأنه واقف مع امرأة يصافحها أو نحو ذلك، فيفهم جيداً أنك امتنعت عن إلقاء السلام لمصلحته، فهذا الظن فيه أنه يفيء.

فإن قال قائل: كيف أترك السلام على إخواني وأسلم على العصاة؟ قلنا: صدر من رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام مثل هذا، فلم يسلم على عمار بن ياسر وكعب بن مالك رضي الله تعالى عنهما، وهما من خيار الصحابة خاصة عمار، فقد بُشِّر بالجنة بنص خاص.

بينما يجيء إليه صلى الله عليه وسلم رجل سيء الأخلاق، وسيء الملكة، ويصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (بئس أخو العشير) فلما قدم هش له وبش في وجهه.

وفارق السن ليس مانعاً من إلقاء السلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم، بل كان إذا مر بالنساء سلم عليهن كلاماً لا مصافحة، إذا أمنت الفتنة.

فالأصل أن يفشى السلام، وإنما يمتنع عن إلقائه لعلة، فإذا لم تكن موجودة أو لم يحصل النفع الذي تظنه، رجعت إلى أصلٍ وهو إلقاء السلام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) .