للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فصل لربك وانحر)]

{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢] ، من العلماء من فسرها تفسيراً عاماً، ومنهم من فسرها تفسيراً أخص، فقال فريق منهم: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي: اجعل صلاتك كلها خالصة لله، ونحرك كله خالصاً لله، لا كما يفعل أهل الشرك إذ يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، ويراءون بصلاتهم، ويشركون في ذبحهم.

إذا: المعنى الأول: صل لله، واجعل صلاتك خالصة له سبحانه وتعالى لا لأحد سواه، وانحر لربك كما في الآية: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:١٦٢-١٦٣] .

ومن العلماء من قال: إن المراد صلاة مخصوصة، ونحر مخصوص، وهي: صلاة العيد، ونحر الأضاحي يوم العيد.

أي: صل صلاة العيد، وبعد أن تصلي صلاة العيد انحر يوم العيد.

وثم قول غريب وهو: (صل لربك وانحر) أي: اجعل يدك اليمنى على اليسرى عند النحر، وهذا قول ضعيف، لكن يرد عنده بحث: أين توضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة؟ ولم يثبت في الباب أي خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الثابت في أحاديث عدة أن اليد اليمنى توضع على اليد اليسرى، وأما موضعهما ففيه نزاع: كحديث سهل بن سعد الساعدي في صحيح البخاري: (أمرنا بوضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) ، وحديث وائل بن حجر رضي الله عنه: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على اليسرى في الصلاة) ، لكن أين توضع اليمنى على اليسرى؟ هل تحت السرة؟ أم فوق السرة؟ أم بمحاذاة السرة؟ أم على الصدر؟ أم على النحر؟ كخبر ثابت عن رسول الله لم يثبت في هذا الباب شيء، بل ورد فيه أثران، الأول: أثر عن طاووس بن كيسان اليماني عند أبي داود وغيره: (أن النبي كان يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره) لكنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف.

الثاني: زيادة في حديث وائل بن حجر: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على اليسرى على صدره) زاد (على صدره) وهي زيادة ضعيفة، فهذا أمثل ما ورد في الباب، وليس معنى كونه أمثل ما ورد في الباب أنه صحيح، لكن المعنى أنه أحسن ما ورد في الباب، والله سبحانه وتعالى أعلم.

من العلماء من قال: إن اليد تسدل سدلاً وتكون بجوارك، ولا توضع اليمنى على اليسرى، واستدلوا بحديث المسيء صلاته وفيه: (كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ، ولم يقل له: ضع يدك اليمنى على اليسرى، وأجيب على هذا: بأن صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من مجموع الأحاديث التي رويت لا من حديث واحد، والله تعالى أعلم.

وقال الله سبحانه وتعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢] : النحر يختلف عن الذبح، فالنحر هو الطعن بالسكين في اللبة، فمعنى (انحر) أي: اطعن في اللبة التي هي منتهى اتصال رقبة الناقة بجسمها، هذه اللبة يطعن فيها بضربة قوية باليد، أما الذبح فهو: إمرار السكين على العروق.

والذبح يكون في البقر، ويجوز فيها النحر، والنحر يكون في الإبل، ويجوز فيها الذبح أيضاً، والغنم الأفضل فيها الذبح، وإن كان النحر جائزاً.

أما جواز النحر في ثلاثتها فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل، عدا السن والظفر أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة) سكاكين الأحباش.

وأما جواز النحر في البقر فلحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت كأن بقراً تنحر، فأولتها على أنهم أصحابي الذين قتلوا يوم أحد) الشاهد من قوله: (رأيت بقراً تنحر) .

أما استحباب ذبح البقر فلقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:٦٧] فهنا النص في البقر على الذبح.

إذاً: في قوله: (فصل لربك وانحر) أربعة أقوال: أحدها: صل عموم الصلوات واجعلها خالصة لله، واجعل نحرك كله خالصاً لله.

الثاني: صل صلاة العيد، وانحر الأضاحي.

الثالث: صل الفجر وبعد الفجر انحر.

الرابع: صل لربك وضع يدك اليمنى عند النحر على اليسرى.