[الخلاف في وقت وقوع الزلازل في الآخرة]
هناك قرائن في السورة الكريمة استدل بها على أن هذا الزلزال قبل يوم القيامة، وقرائن أخرى في نفس السورة استدل بها على أن هذا الزلزال في يوم القيامة بعد النفخ في الصور.
أما القرائن التي استدل بها على أن هذا الزلزال قبل يوم القيامة، فقوله تعالى: {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:٣] أي: ما الذي حدث للأرض، فهذا استغراب من الإنسان عما يحدث.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب: (تقيء الأرض أفلاذ أكبادها كأمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيأتي السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ويأتي القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويأتي قاطع الرحم، فيقول: في هذا قطعت رحمي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً) هل هذا قبل يوم القيامة؟ أو بعد النفخ في الصور؟ الظاهر من هذا أنه قبل يوم القيامة، فاستدل بهذا الحديث وبقول الإنسان: مالها؟ على أن الزلزلة المذكورة قبل يوم القيامة.
وهناك أدلة أخرى تفيد أن هذه الزلزلة بعد النفخ في الصور، أي: يوم القيامة، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١-٢] وسياق هذه الآيات يشعر أنها قبل يوم القيامة.
لكن ما ورد فيها من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو: (يقول الله سبحانه وتعالى لآدم يوم القيامة: يا آدم! فيقول: لبيك ربنا وسعديك -وفي رواية- والخير في يديك، والشر ليس إليك.
فيقول الله له: يا آدم! أخرج بعث النار من ذريتك، فيقول: يا رب! وما بعث النار، فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذٍ يشيب الصغير، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢] ) ، ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث لأصحابه شق ذلك على أصحابه فقالوا: وأينا ذاك الرجل يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحداً، ألا ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبر الصحابة حمداً لله، ثم قال: ألا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبر الصحابة حمداً لله، ثم قال: والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث يفيد أن الزلزلة المذكورة أيضاً بعد القيامة.
ومن العلماء من حاول التوفيق بين القولين، وقال: إنها قريبة جداً من القيامة، فلقربها من القيامة كأنها هي القيامة، أو كأنها جزء من القيامة، فالإنسان إذا كان قريباً من الشيء يعبر عنه بأنه هو، كما قال تعالى في سورة النحل: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١] والأمر، ما أتى ولا حل فعلاً؛ لكنه لقرب مجيئه عبر عنه بلفظ: (أتى) ، فللتلازم الشديد والتقارب الشديد بين الساعة وبين القيامة عبر عنها بهذه التعبيرات، فهي مع الساعة مباشرة.
وقوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:١] أي: زلزالها الأكبر، بأن حركت حركة شديدة فدمر كل شيء عليها، كما قال تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} [الواقعة:٤] .