قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} نداء إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، واليهود كانوا هم غالب أهل الكتاب في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما النصارى فكانوا قلة.
وقوله تعالى:{آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} هو القرآن.
وقوله تعالى:{مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} أي: موافقاً للتوراة التي معكم.
فقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} قال فريق من أهل العلم: أي: نرد الوجوه كالأقفاء، فيصبح الوجه مثل القفا لا معلم فيه لعين ولا لأنف ولا لفم ولا لخد ولا للحية ولا لغير ذلك.
ومن العلماء من قال: إن الطمس عبارة عن تغيّر الأحوال، بمعنى: أن الغني يصبح فقيراً، والعزيز يصبح ذليلاً، والقوي يصبح ضعيفاً، إلى غير ذلك.
وثمّ قولٌ آخر ثالث وهو أنَّ المراد تقليب القلوب إلى الكفر.
والقول الأول هو الأشهر، فقد حلّت ببني إسرائيل عقوبات من هذا القبيل، فقد مسخ فريق منهم إلى القردة، وفريق آخر إلى الخنازير، كما قال تعالى:{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[الأعراف:١٦٦] ، وقال تعالى:{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْت} ، وأصحاب السبت: هم الذين اعتدوا في السبت، وهم المذكورون في قوله تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ}[الأعراف:١٦٣] ، وأصل السبت: الراحة والسكون، ومنه قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}[النبأ:٩] أي: راحة وسكوناً لكم، فأصل السبت: الراحة والسكون، وكان يوم السبت يوم راحة لليهود وتوقف عن الأعمال، فاعْتَدَوْا فيه كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف، فحلت عليهم اللعنة لاعتدائهم في السبت بعد أن نهاهم الله تعالى عن الاعتداء فيه بقوله:{وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:١٥٤-١٥٥] .