[الدلالة على كون الآية نزلت في اليهود وبيان مكرهم وسخفهم]
وقوله تعالى:{وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}[المجادلة:٨] وهذا يؤيد أن الآية في اليهود؛ لأن اليهود كانوا يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يحيه به ربه، كان أحدهم يأتي ويقول: السام عليك يامحمد! أي: الموت واللعنة والهلاك عليك يامحمد! فهذا مضمون قوله تعالى: {وإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}[المجادلة:٨] ، وفي الصحيح (أن عائشة: كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه قوم من اليهود فقالوا: السام عليك يا محمد! فقالت: وعليكم السام واللعنة! فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة! إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالت: يا رسول الله! أولم تسمع ما قالوا؟ قال: قد سمعت، وقلت: وعليكم، فيستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا) ، هكذا قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا معني قوله تعالى:{لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ}[النساء:٤٦] ، فكانوا يلوون ألسنتهم بالسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحولون السلام إلى مقصد آخر ذميم وهو اللعن والهلاك.
{وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}[المجادلة:٨] فيؤخذ من الآية: أنه ينبغي بل يتعين على المسلمين أن يحيي بعضهم بعضاً بما حياهم الله به، تحيتهم وتحية أبيهم آدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهي أتم صيغة، وعليها ثلاثون حسنة، ودونها: السلام عليكم ورحمة الله، ودونها: السلام عليكم، هذه تحية المسلمين.
هذه الآية فيها تسلية للمؤمنين، وتصبير لكل مبتلى، وما هو وجه ذلك؟ وجهه أن الله سبحانه وتعالى ذكر مقالة اليهود إذ قالوا في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول، أي: أن اليهود يقولون في أنفسهم: نحن نسب محمداً وندعو عليه باللعنة، وندعو عليه بالهلاك، فإذا كان محمد نبياً فلماذا لم يعذبنا الله بسبنا لمحمد، وبشتمنا لمحمد، وبدعائنا على محمد باللعنة والهلاك؟! فهذا حاصل قولهم {لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}[المجادلة:٨] ، فأجابهم الله بقوله:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[المجادلة:٨] ، أي: تكفيهم جهنم.