قال الله:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}[المزمل:٢٠] ، لأهل العلم جملة أقوال في قوله تعالى:(علم أن لن تحصوه فتاب عليكم) أي: علم أنكم لن تستطيعوا تقدير أوقات الليل وتقدير أوقات النهار، فتاب عليكم من هذا التحديد بقيام أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، وهذا خوطب به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعترض عليه بما اكتشف الآن من وسائل لضبط الأوقات، فالخطاب كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا التأويل {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}[المزمل:٢٠] أي: علم أنكم لن تستطيعوا ضبط أوقات الليل وضبط أوقات النهار، وضبط منتصف الليل، وضبط ثلث أو ثلثي الليل {فَتَابَ عَلَيْكُمْ}[المزمل:٢٠] ، (تاب عليكم) أي: رجع عليكم بالتخفيف.
فالتوبة من معانيها: الرجوع، تاب فلان من ذنبه أي: رجع فلان من ذنبه، تاب الله عليك: عاد عليك بالرحمة بعد أن حجبت عليك الرحمة بسبب الذنب.
{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}[المزمل:٢٠] أي: رجع عليكم بالتخفيف وإزالة هذا التكليف الذي كلفكم، به فتاب عليكم وعفا عنكم، كما في قوله تعالى في خواتيم سورة البقرة:{رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}[البقرة:٢٨٦] ، هناك معنى للعفو، ومعنى للمغفرة، ومعنى للرحمة، العفو: المحو والإزالة، والمغفرة: التغطية وستر الذنب، وقولهم في الجاهلية:(إذا برئ الدبر، وعفا الأثر -أي: محي أثر البعير- ودخل صفر، حلت العمرة لمن اعتمر) أما المغفرة من: المغفر الذي يغطي الرأس، فقد يكون الشيء موجوداً لكنه غطي عليه، لكن العفو محوه وإزالته، وهنا يقول الله سبحانه وتعالى:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا}[المزمل:٢٠] .