قال تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ}[البلد:٨] العينان تشهدان على الكافر بما صنع، {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ}[البلد:٩] فإن كنت -أيها الكافر- تظن أن أحداً لم يراك، وأنت تنفق في عداوة الأنبياء وعداوة أهل الصلاح فاعلم أن الله يراك، ثم جوارحك أيضاً شاهدة عليك، كما قال تعالى:{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}[فصلت:٢١] .
أما المتباهي بكثرة إنفاقه في سبيل الله فالتوجيه أن يقال له: إن من نعمه عليك ما أكثر من إنفاقك، فإذا كنت تدعي أنك أنفقت مالاً كثيراً لنصرة الدين فإنا قد جعلنا لك عينين، ولساناً وشفتين، والنعمة الواحدة من هذه النعم تغطي على كل ما أنفقت:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ}[البلد:٨-٩] .
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:١٠] الهداية هنا: هداية الدلالة لا هداية التوفيق، فقد تقدم أن الهداية هدايتان: هداية الدلالة، ويملكها البشر بإذن الله، قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:٥٢] ، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:٧] ، {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}[النازعات:١٩] أي: أدلك على عبادة ربك فتحصل على الخير، فالهداية هنا هداية الدلالة، يملكها البشر بإذن ربهم.
أما هداية التوفيق فلا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص:٥٦] .
قوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أي: وضّحنا له الطريقين، وبينا له أعدل الطريقين: طريق الخير وطريق الشر، بيناهما له، كما قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) أي: أوضحنا له الطريق {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان:٣] ، وأصل النجد: المكان المرتفع، والنجود هي: الأماكن المرتفعة.