[دلائل قدرة الله الداعية إلى الإيمان به]
قال تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:١٣] ، قال بعض العلماء: إن معنى (لا تَرْجُونَ) أي: لا تخافون، كقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا} [النبأ:٢٧] أي: لا يخافون، فالمعنى: لا تخافون من بأس الله تعالى وانتقام الله تعالى، ولا تخافون من عظمة الله سبحانه.
قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:١٤] ، فيه أقوال لأهل العلم: فمنهم من قال: معناه قوله تعالى: {خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:٦] .
ومنهم من قال: معناه قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم:٥٤] .
ومنهم من قال: خلقكم متفاضلين في الأخلاق والأفهام والأذواق، ونحو ذلك، فمنكم الذكي ومنكم الغبي، ومنكم الطويل ومنكم القصير، ومنكم طيب الخُلُق ومنكم البذيء، ومنكم الوفي ومنكم الغادر، ومنكم المحسن ومنكم المسيء، ومنكم المتصدق ومنكم اللص، ومنكم الذي يأكل أموال اليتامى ظلماً ومنكم الذي يكفل الأيتام.
فعند هؤلاء يكون المراد بالأطوار: الأصناف والأشكال.
وعلى كل حال فالأطوار تحتمل كل هذه المعاني.
وبناءً على ذلك فقد تستدل إذا حصل من شخص أنه لم يفهم كلامك أو لم تفهم كلامه بهذه الآية الكريمة، فتقرأ قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} ، أي: أشكالاً وأصنافاً وأزواجاً، فكلٌ على فهم، وكلٌ بعقل، وكلٌ بتفسير، وكلٌ بسجيته وطبيعته.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح:١٥] ، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح:١٦] ، هذا مما كان يقوله نوح عليه السلام لقومه، وهذا النور الذي في القمر يختلف في كل يوم عن اليوم الذي قبله، فنور القمر اليوم أكثر من نوره أمس، ونوره غداً أكثر من نوره اليوم، كما قال تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:٣٩] .
وقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح:١٧] فيه قولان لأهل العلم: الأول: أن معنى: {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} أنبت آدم عليه السلام الذي هو أبوكم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف:١١] ، أي: صورنا آدم عليه السلام؛ لأن آدم عليه السلام خلق من الأرض، ففي الحديث: (إن الله قبض قبضة من جميع الأرض فخلق منها آدم، فجاءوا على قدر ذلك منهم الأبيض والأسود ودون ذلك، ومنهم الأحمر والأصفر ومنهم دون ذلك) أو بنحوه عنه عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أن معنى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} أي: أنبت لكم من الأرض نباتاً.
لكن القول الأول أرجح للآية التي تليها، وهي قوله تعالى: (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا) ، أي: يوم القيامة.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح:١٩] ، أي: مبسوطة ممهدة كفراش الطفل.
وقوله تعالى: ((لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا)) ، الفجاج: هي الطرق، وفي الحديث: (وكل فجاج مكة طريق ومنحر) ، أو: (كل فجاج منى طريق ومنحر) .