[حكم قراءة ومس القرآن من الحائض]
السؤال
هل يحل للمرأة الحائض قراءة القرآن ومسه؟
الجواب
الحديث الوارد في منع الحائض من قراءة القرآن حديث ضعيف، فحديث: (إني لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) حديث ضعيف من رواية جسرة بنت دجاجة وهي مجهولة، أيضاً في الباب حديث علي رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأنا القرآن لا يحجبه شيء إلا الجنابة) وهو حديث أيضاً ضعيف، إذاً ما هو المانع من أن تقرأ الحائض القرآن، لم يسلم مانع -إلى الآن- من الكلام فيه، فكيف إذا عارض ما صح من قول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) .
وتقدم أن غير المتوضأ يقرأ القرآن أيضاً من حديث ابن عباس في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل يصلي فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ) ففي الحديث أنه قرأ عشر آيات قبل أن يتوضأ صلى الله عليه وسلم، فلا يسلم دليل لمنع الحائض من قراءة القرآن.
لكن قد ورد حديث: (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة) ويجمع بينه وبين حديث عائشة: (كان رسول الله يذكر الله على كل أحيانه) وبين حديث ابن عباس: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ عشر آيات قبل أن يتوضأ) ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:٤١] (وعند الجماع يقول: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ويجامع أهله) فهل يكره للحائض أن تقرأ القرآن قياساً للحائض على الجنب، فالجنب كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة) يكره له قراءة القرآن، أقول: إن قياس الحائض على الجنب قياس لا يصح؛ لأن كراهية ذكر الله لغير الطاهر -المحدث حدثاً أصغر أو أكبر- نحمله على المبادرة إلى الاغتسال، وهذا مطلب ومقصد شرعي، لكن ماذا عسانا أن نجني من منع الحائض من القراءة؟ بل لم يقدم منعنا لها موعد الطهر، ولم يؤخر موعد الطهر إذاً نبقى على الأصل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:٤١] والقرآن ذكر.
بقيت مسألة المس: والمعول عليه في المسألة كتاب ربنا وما صح من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المسألة لم ينعقد عليها إجماع، فمادام لم ينعقد على المسألة إجماع، إذاً أتخير القول الذي وافق الدليل الصحيح، فنقول: ما هو المانع من مس المصحف للمرأة الحائض؟ يستدل المستدل بقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٩] فالإجابة على هذا أن عليك أيها القارئ أن تقرأ الآيات السابقة واللاحقة حتى تفهم المراد وتعرف إلى من يعود الضمير في قوله: (لا يَمَسُّهُ) : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:٧٧-٧٨] الكتاب المكنون المحفوظ {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٩] وجمهور المفسرين على أن المقصود بالمطهرين في الآية الملائكة، وأن المقصود بالكتاب المكنون أي: المحفوظ عند الله سبحانه وتعالى.
وأما حديث (لا يمس القرآن إلا طاهر) فكل طرقة تالفه ضعيفة لا يستدل به، من تتبعي أستطيع الآن أن أقول إن جمهور أهل الحديث على تضعيفه.
ثم إن من العلماء من حسنه وحمله في حالة تحسينه على أن المراد بالطاهر المؤمن لحديث: (إن المؤمن لا ينجس) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار.
إذاً ما هو المانع للحائض من مس وقراءة المصحف.
ومن المعلوم أن الفقهاء لا يدققون في مسألة ثبوت الحديث وصحته، بل يبنون الحكم بدون التدقيق على هذه الجزئية، وقد يأتي الحكم بسبب ذلك مخالفاً للحق.
مثلاً قد يبنى على جزئية ما الحكم بشيء، وهي جزئية صغيرة تكون في الحديث، لكن ينبني عليها حكم بإثبات أو نفي، بل حتى أهل الحديث قليل منهم الذي يركز على هذه الجزئيات الصغيرة، وكمثال في حديث جلسة الاستراحة الذي هو من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، في وصفه لصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد جاء من طريق عبد الله بن نمير في البخاري يقول: (إذا قمت إلى الصلاة فقم حتى تطمئن قائماً ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم اعتدل حتى تطمئن قائماً ثم اسجد حتى) .
الشاهد: أن الحديث فيه بعد القيام من الركوع: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم قم حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً) بعد السجدة الأخيرة جاء الخلاف بين الرواة فراوٍ قال: (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم قم) هذه الزيادة مروية من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله، وفي رواية أبي أسامة حماد بن أسامة لم يذكر زيادة الجلوس الأخيرة (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً) بل قال: (ثم قم) .
البخاري أخرج الحديث من طريق عبد الله بن نمير في موطن وفي موطن آخر أخرجه وبعد أن أخرجه نبه على كلام أبي أسامة وقال: لم يذكر حماد بن أسامة (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً) ، فالحافظ ابن حجر يقول: إن البخاري يومئ إلى تضعيف هذه الزيادة الأخيرة (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً) التي هي من رواية عبد الله بن نمير، ومن المعلوم أن شيخ ابن نمير وأبي أسامة واحد وهو عبيد الله فالحديث من طريق واحد وجاء يحيى بن سعيد القطان ورواه أيضاً عن عبيد الله ليس فيه هذه الجلسة، وجاء أيضاً -على ما يحضرني- أنس بن عياض أبو ضمرة وغيره ورووا الحديث ولم يذكروا هذه الجلسة.
فالفقيه لا يدقق في هذه الزيادات، بل قليل من أهل الحديث من يدقق فيها.
فالدقائق الصغيرة مثل هذه التي ينبني عليها حكم تحتاج إلى بحث دقيق جداً، لأنها سيرتب على صحتها أو عدم صحتها الحكم الشرعي بالنسبة لجلسة الاستراحة، وإن كان هناك أدلة أخر في الباب، لكن أصل الاستدلال على جلسة الاستراحة هو حديث أبي حميد الساعدي.
مداخلة: بالنسبة لمس وقراءة القرآن للحائض هل ورد عن نساء النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك شيء؟ الشيخ: بالنسبة للفعل قد يكون ورد عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام أو عن بعض أمهات المؤمنين أنهن قرأن بلا حرج.
الخلاصة أنه لم يحدث في المسألة كما أسلفنا إجماع، ولم يرد شيء يمنع المرأة الحائض من مس وقراءة القرآن من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالمسألة اجتهادية، واجتهادنا الذي نراه حقاً أنه لا بأس للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن أو تمس المصحف، والجنب فقط هو الذي يكره له قراءة القرآن، لحديث: (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة) .