قال تعالى:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}[الطور:٤٠] أفادت الآية الكريمة أن الداعي إلى الله عليه أن يكون حراً طليقاً، غير خاضع للناس، وغير طالب لأموالهم، فلا تذهب تحاضر -أيها الأخ الداعي إلى الله- في مكان، وتمتد عينك إلى أهل الثراء أصحاب المسجد الذي أنت فيه، ولا أصحاب المكان الذي أنت فيه، بل عليك أن تكون عزيزاً بما آتاك الله من تُقى، وبما آتاك الله سبحانه وتعالى من علم، أما إذا استشرفت نفسك أُهنت لما في أيدهم، وزهدوا فيما عندك من العلم، وحملوا هموم مجيئك، في كل مرة يرتبون لك هدية ومالاً فحينئذٍ تهون عندهم ويسأموك، وبعد أن كانوا يجلونك ويوقرونك يزهدون فيك وفي علمك؛ بل ويتكلمون أمامك ومن خلفك -والعياذ بالله-.
فلذلك على الأخ الداعي أن يجعل العلم فوق كل شيء بعد تقوى الله سبحانه وتعالى، ولا تمتد عينه إلى ما متع به أزواجاً منهم، فالمال زائل، والعلم الذي يُبتغى به وجه الله باقٍ، وقد قال الله سبحانه لنبيه:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:١١٤] ولم يقل له: وقل رب زدني مالاً، بل قال في شأن المال:{فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}[التوبة:٣٨] ، وقال:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[البقرة:٢٦٩] .
فعلى إخواننا الدعاة إلى الله أن ينزهوا أنفسهم من أخذ المال مع إعداد أنفسهم علمياً كذلك، وإلا سقطت هيبتهم، وذهب وقارهم، وداسهم الناس بالأقدام والعياذ بالله! قال الله سبحانه:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا}[الطور:٤٠] أي: تطلب منهم أجراً على البلاغ، {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}[الطور:٤٠] أي: خائفون من غرامة يؤدونها إليك، {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:٤١-٤٢] أي: يكيدون يا محمد وأهل الإسلام، فإذا كانوا يكيدون بك وبأصحابك فاعلم تمام العلم وأيقن تمام اليقين أن الذين كفروا هم المكيدون، كما قال سبحانه:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠] ، وكما قال سبحانه:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}[الفجر:١٤] ، قال الله سبحانه وتعالى كذلك:{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:٥٠] ، وقال سبحانه:{وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[النساء:٨١] ، ألا فليعلم كل من يكيد بالإسلام أن الله سبحانه وتعالى يكيد به، وكل من يخطط لأذى المسلمين فالله سبحانه وتعالى يدبر له ويحكم له خططاً، فالله سبحانه وتعالى هو الحفيظ لأوليائه، وهو متولي الصالحين.