وقوله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ}[النور:٥٣] أي: أهل النفاق، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}[النور:٥٣] يعني: أنهم بالغوا في الأيمان وأكدوا الأيمان.
{لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ}[النور:٥٣] أقسموا واجتهدوا في اليمين لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجن معك.
{قُلْ لا تُقْسِمُوا}[النور:٥٣] أي: كفانا من أيمانكم، فإنكم كما قال سبحانه:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[المجادلة:١٦] ، وكما قال تعالى:{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٩٦] .
{قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}[النور:٥٣] في تأويل قوله تعالى: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} قولان: القول الأول: خير لكم من القسم أن تطيعوا الله عز وجل، وتطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة ظاهرة، أي: امتثلوا الأمر إذا طلب منكم فقط، لا نريد منكم إلا أنكم إذا أمرتم بأمر فامتثلوا له.
والقول الثاني: أي: طاعتكم طاعة معروفة، إنما هي غش وكذب، كما يعدك شخص ميعاداً ويقول لك: سآتيك في وقت كذا وكذا، فتقول له: مواعيدك معروفة، ما معنى مواعيدك معروفة؟ يعني: أنك تعد وتخلف، أو يهددك شخص، فتقول له: تهديدك معروف، يعني: طالما هددت لم تنفذ شيئاً، فكذلك قوله:{طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} أي: طاعتكم التي تزعمون طاعة معروفة لدينا إنما هي أكاذيب ووعود مخلفة، طاعتكم طاعة معروفة، أي: ليس لكم طاعة، وليس لكم عهد، وليس لكم ميثاق.
وهذه الآية أفادت: أن هناك أقواماً يقسمون بالله أيماناً، وهم مع قسمهم كذبة؛ لأن هؤلاء أقسموا بالله جهد أيمانهم، أقسموا وعقدوا الأيمان، والله سبحانه وتعالى قال لهم:{قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} ، وقال في الآية الأخرى:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أي: وقاية يتقون بها، وهناك أقوام يحلفون بالله كذباً، فينبغي أن يعلم المسلم ذلك، ليس كل من يحلف بالله يعتبر صادقاً، فلا تُخدعن كما خدع أبوك آدم لما أقسم له إبليس:{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف:٢١] ، فأقبل وأكل من الشجرة، فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، إذا لدغ أبوك آدم عليه السلام وهو أعقل الخلق فلا ينبغي أن تلدغ، صحيح أن المؤمن يصدق المؤمنين في الظاهر لكن إن كان هناك من القرائن ما يدفع ذلك، فالقرينة مقدمة على اليمين.
فمثلاً: إذا جاء شخص متهم بجريمة، والشهود شهدوا عليه، فحلف فإنه إذا أقيمت عليه البينة فلا اعتبار باليمين، يعني: إذا جيء بمتهم، والبينات محيطة بأنه مرتكب للجريمة، فحينئذ لا تنفع الأيمان، يقسم مهما يقسم لا اعتبار ليمينه أبداً ما دام الشهود قد قاموا بإثبات الجريمة عليه.