للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وسيجنبها الأتقى)]

قال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا} ، فسيبعد عنها {الأَتْقَى} [الليل:١٧] ، التقي، {الَّذِي يُؤْتِي} ، أي: يعطي، {مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:١٨] ، أي: يتطهر، فإن بقاء أموال الزكوات معه تلوثه، أموال الزكوات تلوث من لم يخرجها (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) ، أي: يتطهر بإيتاء المال، وأيضاً: يتطهر من الشرك ومن الكفر ومن المعاصي.

{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:١٩] ، أي: يعطي المال ولا ينتظر مقابلاً من أحد من الخلق، كما في الآية الأخرى، {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:٩] ، فأي عمل يُعمل لابد أن يبتغى به وجه الله وحده سبحانه وتعالى حتى يكمل الثواب، قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:٣٩] ، فالشاهد في قوله: {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم:٣٩] ، وفي الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد:٢٢] ، فالصبر أيضاً لا يثاب صاحبه إذا كان يصبر تجلداً أو يصبر خوفاً على صحته أو يصبر ليقال عنه: صابر، إنما يصبر ابتغاء وجه الله، {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد:٢٢] ، وقال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:١١٤] ، قد تذهب للإصلاح ليقال عنك: مصلح، فلا تثاب، تتكلم كلمة طيبة ليقال عنك: متكلم بكلمة طيبة، فلا تثاب، لكن: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:١١٤] ، وهنا يقول سبحانه: (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ) ، أي: عند هذا التقي المنفق (مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) ، ينتظر ثوابها، {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:٢٠] ، إنما ينتظر لقاء ربه وثواب ربه سبحانه وتعالى، {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:٢١] ، سوف يرضيه الله سبحانه وتعالى ويجازيه بنيته الحسنة الطيبة.