[سبب نزول قوله تعالى: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله.]
يقول زيد بن أرقم: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات، فتشاجر مهاجري مع أنصاري، فالأنصاري نادى الأنصار والمهاجري نادى المهاجرين، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: أوقد فعلوها، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وأيضاً قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فذهب زيد بن أرقم وأخبر عمر بذلك، فذهب عمر وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم فحدثه بالذي كان.
فاستدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ومن قالوا هذه المقولة، فأتوا إلى الرسول وأقسموا بالله ما قالوا هذه المقالة، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه مسلم وكذب زيد بن أرقم، قال أصحاب زيد بن أرقم وأعمامه ماذا جنيت؟ مقتك رسول الله وكذبك رسول الله، قال: فبت بشر ليلة، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:٧] ، فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: (إن الله قد صدقك يا زيد) وفي هذا يقول الأنصار: ومنا الذي سمع الله له بأذنه، يعني: صدق الله سماعه وأنزل الله ما يؤيد صحة سماعه.
وفي الآية معنىً، وهو أن الله سبحانه وتعالى يبرئ ساحة المظلوم، ويبرئ ساحة الصادق، فـ زيد كان صادقاً مع رسول الله فبرأه الله سبحانه وتعالى.
وعائشة أنزل الله براءتها.
ويوسف برأه الله سبحانه إذ قالت امرأة العزيز: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف:٥١] .
وموسى أيضاً برأه الله وكان عند الله وجيهاً.
وتلك الجارية التي قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني فقد كانت هذه الجارية لـ عائشة وكانت تكثر من ترديد هذا البيت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني والوشاح هو: نسيج عريض تلبسه المرأة.
فسألتها عائشة رضي الله عنها: مالكِ ترددين هذا البيت؟ قالت: والله لقد كنت عند قوم، ففقدوا وشاحاً لابنة من بناتهم، فاتهموني بسرقة هذا الوشاح، وفتشوا كل شيء في جسمي حتى فتشوا قبلي، واتهموني بسرقته، فبينما هم على هذه الحال، إذا جاء طائر وألقى بالوشاح فوقهم وهم يفتشونني، فبرأني الله بذلك، فحفظت هذا البيت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني فلتقر عين كل من ظُلم! فإن الله سبحانه وتعالى يبرئ ساحته عاجلاً أو آجلاً، فالله سبحانه وتعالى حكم عدل.
{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [المنافقون:٧] .
إن الذي يقسم الأرزاق هو الله، وكل الخزائن أمرها بيد الله، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر:٢١] ، فالذي يبسط الأرزاق هو الله، والذي يضيق على العباد هو الله سبحانه وتعالى، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:٢٧] ، فالمرزوق من رزقه الله، والمحروم من حُرم، فأمر ذلك كله إلى الله سبحانه وتعالى.
{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:٧] .