[تفسير قوله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به.]
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:٣٢] .
هل الآية على ظاهرها: فلا يجوز لنا أن نتمنى أي شيء أوتيه شخص منا؟ لا.
بل هناك أشياء نتمناها، ورخص لنا الشرع في تمنيها، بل وحثنا على ذلك، مثل: حمل القرآن والعمل به، وإنفاق المال في سبيل الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) .
ويجوز لي -أيضاً- أن أتمنى ذرية صالحة، فإذا وجدت رجلاً عنده ذرية صالحة قلت: يا رب! ارزقني ذرية صالحة، وها هنا يقول عباد الرحمن {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:٧٤] .
إذاً: هناك شيء مراد بالآية: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:٣٢] والله أعلم ما مراده، ولكن سياق الآية يفيد شيئاً وهو {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء:٣٢] يعني: لا تأتي المرأة تقول: يا ليت لي ميراث كالرجل، أو يا ليتني رجلاً، فـ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء:٣٢] فاقنع بالشيء الذي قدر لك به واسأل ربك المزيد من فضله على وجه الإجمال، لكن لا تتمنى أن تكون امرأة مثلاً، أو أن تتمنى المرأة أن تكون رجلاً، أو تتمنى أن يقسم لها في الميراث مثل ما للرجل ونحو ذلك.
والتمني بصفة عامة هو: نوع إرادة يتعلق بالمستقبل، قال الله سبحانه وتعالى لـ عبد الله والد جابر لما قُتل: (عبدي تمنى عليّ فقال: أرد إلى الدنيا فأقتل في سبيلك) ، فهذا نوع من التمني، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لقد وددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل) أو كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والتمني فيه مسائل ومباحث طويلة لا يسع المقام لذكرها، وقد أفرد البخاري في كتاب القدر من صحيحه: باب ما جاء في اللو.
فهي من أبواب التمني، ويقابله أيضاً التلهف.
قال الله: ((وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [النساء:٣٢] ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نظر أحدكم إلى من فوقه في المال والرزق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه هو في المال والرزق) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
قال الله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:٣٢] * {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء:٣٣] .
في أول الأمر لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجري يرث الأنصاري دون أقاربه، والأنصاري يرث المهاجري، دون أقاربه حتى نزل قوله تعالى على رأي كثير من أهل العلم: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب:٦] فنسخ التوارث بين المهاجرين والأنصار، وبقيت الموالاة والمحبة في الله، وإذا أردت أن تعطيهم شيئاً فأعطهم ما شئت، لكن التوارث أصبح بين أولي الأرحام الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في كتابه وفي قوله: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب:٦] .