قول الله سبحانه وتعالى:{وَيَعْمَلْ صَالِحًا}[التغابن:٩] فيه رد على المرجئة الذين يقولون: يكفي قول: لا إله إلا الله بلا عمل، فالله ذكر هنا:(ويعمل صالحاً) .
وفيه أيضاً رد على الصوفية من وجوه: فإن الصوفية يسوون بين المجانين والعقلاء الذين يعملون الصالحات، بل بعضهم يرفع المجنون درجة فوق الذي يعمل الصالحات، ونصوص الكتاب والسنة تدل على خلاف ذلك، فإن جل الآيات في كتاب الله فيها:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ثم يذكر الجزاء بعدها، في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ}[يونس:٩] ، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}[الكهف:١٠٧] ، والمجنون لم يعمل صالحات.
ثم أمره إلى الله كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(أربعة يدلون بحججهم عند الله يوم القيامة، فذكر النبي منهم: المجنون يقول: يا رب! أتاني الإسلام وأنا لا أعقل شيئاً، فيبتلى بالنار لاقتحامها) على ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء المتصوفة الذين يزعمون أن المجانين أفضل من العقلاء، وأن المجانين مرفوع عنهم الحجب والحساب، ومن ثم فهو أفضل من العقلاء، هذا قول مردود بهذه الآية الكريمة.
يلفت بعض العلماء النظر إلى كلمة:(أصحاب) ، فالصاحب: هو من طالت مدة ملازمته لصاحبه، فأطلق على الكفار أنهم أصحاب للنار؛ لطول ملازمتهم لها، وكأنهم قد عقدوا صداقات بينهم وبين النار، لكنها صداقات لا تجلب رحمة.
فكلمة (أصحاب النار) تفيد: طول الملازمة في النار، وكذلك:(أصحاب الجنة) أي: طول الملازمة في الجنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.