ضرب الله مثلاً للذين كفروا في أنهم لا تنفعهم قرابتهم من المؤمنين
ثم قال الله عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:١٠] .
وصف نوح ووصف لوط بهذا الوصف: (عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ) ، فيه رد على المغالين في الأشخاص ممن أطلقوا عليهم أولياء الله، وهذا التعبير سائد في كتاب الله، (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ) ، أي: فليسا بإلاهين، وقال الله في شأن عيسى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف:٥٩] ، وقال الله عن نبينا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١] ، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:١] ، والآيات في هذا كثيرة متعددة.
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) ، فالآية أفادت المقرر شرعاً: أن لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فهذان مثلان لزوجتين كافرتين ولزوجين مسلمين.
مثال آخر لوالد مؤمن مع ولد كافر، وهو نوح عليه السلام إذ يقول: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:٤٢] * {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:٤٣] .
مثال آخر لولد مع والده، وهو إبراهيم إذ يقول: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:٤٥] .
مثال ثالث للرسول صلى الله عليه وسلم مع عمه: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) ، فيصر عمه على الكفر والعياذ بالله.
وقول الرسول: (يا فاطمة! سليني من مالي ما شئت، فإني لا أغني عنكِ من الله شيئاً) .
يقول الله سبحانه وتعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) ، قال جمهور العلماء: ليس المراد بالخيانة هنا خيانة الفراش، أي: الخيانة بالزنا، إنما المراد الخيانة في الدين، فكانتا تدلان الكفار على الأماكن التي يستطيعون منها الطعن في أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، فالخيانة هنا الكفر وإرشاد الكفار إلى مواطن يطعنون منها في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فإن قال قائل: كيف ذلك والله يقول: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:١٠] ؟ فالإجابة: أن هذا كان سائغاً في شريعة من قبلنا، بل في أوائل شريعتنا وفي أوائل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر متزوجاً بكافرة، وكان يجوز للشخص المسلم أن يتزوج الكافرة إلى أن أتى التحريم.
سؤال آخر قد يرد: كيف والله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:٢٦] ، فكيف بنوح الطيب مع امرأة خبيثة؟ فالإجابة من وجهين: الوجه الأول: أن المراد بقوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} على قول لبعض المفسرين الأقوال الخبيثة لا تصدر إلا من الخبيثين، والخبيثون لا تصدر منهم إلا الأقوال والأعمال الخبيثة، كذلك الطيبون تصدر منهم الأقوال الطيبة، فليس ما هنا من ذلك، هذا أحد الأقوال في الآية، وهو الذي عليه أكثر المفسرين كما ذكره البغوي والقرطبي وصديق حسن خان وغيرهم.
القول الثاني: أن الآية وإن حملناها على هذا الوجه: وهو أن الزوج الطيب يحرص على زوجة طيبة، والزوج الخبيث يحرص على زوجة خبيثة.
فهذا في الغالب، لكن قد يأتي من لا يعلم الغيب فينتقي امرأة على أنها صالحة وقد تكون فاجرة من الفاجرات، والله أعلم بالعباد، فيكون حكماً أغلبياً استثنيت منه هاتان المرأتان، والله أعلم.