الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فقد جاء اسم يوم القيامة بأسماء متعددة في سور كثيرة، كالقارعة والواقعة إلى غير ذلك، وجاء اسم القيامة صريحاً في هذه السورة، وكما أسلفنا أنه ما من سورة من كتاب الله إلا وأومأ فيها إلى ذكر البعث والحساب والنشور تصريحاً أو تلميحاً، وهذا أمر يجعل كل مسلم يتذكر الآخرة؛ ولذا اختص الله سبحانه أنبياءه عليهم الصلاة والسلام بهذه الخاصية، التي قال فيها:{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ}[ص:٤٥-٤٦] أي: ميزناهم بميزة وخصصناهم بخاصية، فما هي هذه الميزة، وما هي هذه الخاصية؟ هي قوله تعالى:{ذِكْرَى الدَّارِ}[ص:٤٦] أي: تذكر الدار الآخرة.
فإذا تذكر العبد الدار الآخرة واعتقد حدوثها وكينونتها اعتقاداً يقينياً؛ حمله هذا الاعتقاد على إحسان العمل وإصلاحه، ثم سلامة العمل الذي هو فرع عن سلامة الاعتقاد، فلذلك يجدر الإكثار من التنبيه على الآخرة وأحداثها وأهوالها، وعلى الجنة والنار.
والناظر والتالي لكتاب الله يرى هذا المعنى مكرراً في عدة سور، بل والناظر إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يراها مليئة بإيراد هذا المعنى: إيراد الجنة والنار والمواقف والحساب، ومن ثم لا يلام أبداً من ذكَّر بالجنة وبالنار، كما يفعل أهل الغباء مع بعض إخواننا من العلماء الأفاضل الذين يكثرون من التذكير بالجنة والنار والتذكير بالموت.
يقول أهل الجهل وأهل الغباء: ما عندهم إلا التذكير بالجنة، وما عندهم إلا التذكير بالنار، وما عندهم إلا التذكير بالقبر! وفي الحقيقة أن هذا من أصول ديننا، نركز عليه في عموم سور القرآن، اللهم إلا يسير اليسير من السور التي لا يأتي له ذكر فيها صراحة.
فعلى ذلك ينبغي ويلزم الواعظ أو العالم أن يكثر في ثنايا وعظه وفي ثنايا تعليمه للناس من التذكير بالجنة والنار، فإنك إذا أيقنت بها هانت عليك الدنيا، وسهلت عليك المصائب، وسهل عليك الفقر، ولم تغتر بالغنى، إلى غير ذلك من مستلزمات الإيمان بالآخرة.