[تفسير قوله تعالى:(إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية)]
قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}[الحاقة:١١] .
أي: ازداد الماء، وذلك في الطوفان الذي أرسل على قوم نوح، (حملناكم) أي: حملنا آباءكم، فبحملنا لآبائكم جئتم أنتم، وإلا لو كان الآباء قد أهلكوا لم تأتوا أنتم من الأصل، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا}[الأعراف:١١] ، أي: صورنا أباكم آدم، وكما قال تعالى لبني إسرائيل:{وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}[الأعراف:١٤١] ، والخطاب لبني إسرائيل من سكان المدينة النبوية، وهم لم يروا فرعون من الأصل، لكن قوله تعالى:(أنجيناكم) أي: أنجينا آباءكم، ففي إنجاء الآباء إنجاء للأبناء، فالله يمتن على الناس بقوله:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} ، الله سبحانه وتعالى في أوائل السورة ذكر ثمود وما حل بهم صراحة، ثم ذكر عاداً وما حل بهم صراحة، ثم فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة (فعصوا فأخذهم أخذة رابية) صراحةً، لكن عرج على قوم نوح وعلى هلاك قوم نوح ببيان فضله عليكم:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} ، أي: وأهلكنا أيضاً أعداءكم وأعداء آبائكم، فهو نوع امتنان مع ما فيه من إشارة إلى إهلاك الأعداء، ففي هذا النظم القرآني الكريم -أولاً- بيان نعمة الله سبحانه وتعالى من وجهين: الوجه الأول: إنجاء هؤلاء الموجودين، وذلك تم بإنجائنا لآبائهم.
والوجه الثاني: إغراق العدو، ألم يقل الله:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}[الأعراف:١٣٣] ؟ ! إلى غير ذلك، لكنه أتى بهذا السياق لتضمنه المعنيين، تضمن إهلاكاً وإنعاماً، فلذلك عرج إلى هذا السياق والله أعلم.
قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} ، أنجيناكم وأهلكنا أعداءكم.