[تفسير قوله تعالى:(أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات.]
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ}[الملك:١٩] أي: صافات الأجنحة، فهي أيضاً تسعى للأرزاق كما أنكم تسعون وتنتشرون في الأرض للأرزاق، وهناك دواب وأمم غيركم، أشير إلى بعضها في هذه الآيات، وذكر الآخر منها في آيات أخرى، كما قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام:٣٨] وهذا في شأن الدواب، وفي شأن الأشجار والثمار قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}[النحل:٤٩] ، وقال سبحانه في الآية الأخرى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ}[الحج:١٨] الآيات.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} أي: صافات الأجنحة، {وَيَقْبِضْنَ}[الملك:١٩] أي: يقبضن الأجنحة، يعني: الطير تطير في السماء صافة الأجنحة وقابضتها {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}[الملك:١٩] أي: بكم وبأعمالكم وبالطيور وبأعمالها بكل شيء بصير، وعلى كل شيء مطلع، وراء لكل شيء ومبصر له سبحانه وتعالى، فالله مطلع على أعمالكم وأنتم تسيرون وتعملون الأعمال، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} والله مطلع عليكم وعلى أعمالكم، فأعمالكم تعرض على الله كما في الآية الأخرى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التوبة:١٠٥] يعني: أعمالك التي تعملها سيراها الله بنص الآية الكريمة: (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ) ، ورسوله أيضاً سيراها صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون أيضاً سيرونها، وأيضاً سيراها الملائكة كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}[المطففين:١٩-٢١] فالمقربون يشهدون أعمالك، فإذا كان ذلك الأمر كذلك، فأعمالك التي تعمل من سيراها؟ يراها ربك، ثم يراها نبيك صلى الله عليه وسلم، ويراها أهل الإيمان، ويراها الملائكة المقربون، فإذا علمت ذلك واشتد يقينك به أحسنت العمل، وأتقنت العمل؛ لأن الذي سيراه هو الله، والذي سيطلع عليه هو الله، وأيضاً غيره ممن ذكرنا.