{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} ، من هو هذا الشاهد؟ هل الشاهد طفل تكلم في المهد، كما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما؟ فقد ذكر عدداً من الذين تكلموا في المهد وقال:(وشاهد يوسف صلى الله عليه وسلم) ، أم أنه رجل آخر؟ أما الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلو صح لكان هو الفيصل، كما قال القائل:(قطعت جهيزة قول كل خطيب) ، ولكن الحديث اختلف في رفعه إلى رسول الله ووقفه على عبد الله بن عباس، واستظهر فريق من أهل العلم أنه موقوف على عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما.
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ}[يوسف:٢٦] ، والشاهد من أهلها له دلالاته وله شهادته؛ لأن الذي من أهلها في الغالب أنه لن يجور عليها، أما إذا لم يكن من أهلها فاحتمال جوره عليها وارد، فقوله تعالى:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} ، لمزيد من الإثبات لبراءة يوسف صلى الله عليه وسلم، إذ الشاهد كان من أهلها.
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[يوسف:٢٦] ، فقدم ما يبرؤها به قبل ما يبرئ به يوسف صلى الله عليه وسلم، {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف:٢٧] ، (من دبر) أي: من الخلف، وهذا من إعمال القرائن أيضاً، فالقرائن يعمل بها في الأحكام، وقد ورد أن شريحاً القاضي رحمه الله أتى إليه خصمان يختصمان في وشاح أحمر يغطى به الرأس، وكل يدعي أنه له، فقال لهذا: امتشط على ثوب أبيض، فامتشط، وقال للآخر: امتشط على ثوب أبيض، فامتشط، فالذي نزل من شعره حمارٌ زائد حكم له به، وهذا من إعمال القرائن.