{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}[القدر:٤] ، ما المراد بها؟ (من كل أمر) من العلماء من فسرها على أساس ارتباطها بما قبلها، ومنهم من فسرها على أساس ارتباطها بما بعدها، فمن فسرها على أساس ارتباطها بما قبلها قرأ:{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} ووقف، قال:(من كل أمر) أي: بكل أمر، وأحرف الجر تتناوب، فإن الباء قد تأتي بمعنى:(مِن) ، ومِن تأتي بمعنى الباء، فأحرف الجر تأخذ معاني بعضها.
فقالوا: المعنى: أن الملائكة تتنزل بكل أمر، أي: بكل أمر قضاهُ الله وأراده وحكم به، أي: أن الملائكة تنزل في هذه الليلة وهي تحمل أمر الله سبحانه الذي أراده وقضاه، وتنزله إلى الدنيا في هذه الليلة قضى ربك في هذا العام كذا وكذا، أثبت الله في هذا العام لفلان وفلان السعادة ولفلان وفلان الشقاوة، أثبت الله لفلان رزقاً وأجلاً، فتتنزل الملائكة في هذه الليلة بهذه الأقدار التي قدرها الله، والأحكام التي حكمها الله، والأوامر التي أمر بها الله.
فقوله سبحانه:{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} ، أي: بكل أمر قضاه الله وحكم به وأمر به، هذا على ربط الآية بما قبلها.
وبعض العلماء ربطها بما بعدها فقال:{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} ، وانتهى الكلام، وبدأ كلامٌ جديد:{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ}[القدر:٤-٥] ، أي: هي سالمة من كل أمور الشر، فليس في هذه الليلة إلا الخير، أي: أنها سالمة آمنة، فلا تتنزل مع الملائكة الشياطين، إنما ينزل -فقط- الملائكة، فتختفي الشياطين وتبتعد، ولا يأتي الباطل ولا الشيطان في هذا الوقت؛ بل هي سالمة آمنةٌ، فالملائكة إذا نزلوا فرت الشياطين، ومن ثم جاء في الحديث المرسل:(ما رئي الشيطان أصغر ولا أحقر في مثل يوم عرفة إلا ما كان منه يوم بدر، قيل: وماذا رأى يوم بدر يا رسول الله؟! قال: رأى جبريل يزع الملائكة -أي: يصفُّ الملائكة- فهرب واندحر) ، فعندما تتنزل الملائكة تبتعد الشياطين وتهرب، فيحصل الأمن، ويندحر الباطل، فهذا على ربط الآية بما بعدها:{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ} ، أي: هي سالمة من كل الأمور، سالمة آمنة، لا يأتي فيها الباطل ولا يتنزل فيها الشيطان.