[تفسير قوله تعالى: (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)]
{وَيَقُولُونَ} [الملك:٢٥] أي: على سبيل التحدي والجدل {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الملك:٢٥] أي: متى يوم القيامة؟ فهو استعجال منهم للبعث، وكما في قيلهم: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:١٦] {وَيَقُولُونَ
الجواب
=٦٠٠٥٢٦٥>مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي: الوعد بالبعث والوعد بالقيامة والوعد بالجزاء والحساب.
{قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} فيها رد على من يحدد يوم القيامة بيوم محدد: (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ) وهذا من البدهيات والمسلمات، لم يقل: سنة ألفين، ولا سنة ألفين وأربعة، ولا بعد هرمجدون، ولا هذه التخاريف، كما قال الله سبحانه هنا: (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ) علمها عند ربي في كتاب لا يجليها لوقتها إلا هو، في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.
{وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} هذه مهمتي، وأنا أعرف قدري فلا أتجاوزه، وهذه الآية أصل في أن الشخص يعرف قدره، ويقف عند العلم الذي علمه الله إياه، ولا يتعالم ولا يدخل برأسه في كل شيء، فالرسول سئل عن مسائل لم يعلمه الله إياها فأمسك، فقد سئل عن الروح فقال الله له: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥] .
وسئل عن الساعة فقال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) فكان صلى الله عليه وسلم يقف عند ما لا يعلمه.
أما أن تدعي أنك تعرف في كل شيء، فهذا من الجهل والغباء، ولذلك قال عدد كثير من السلف وليس واحداً أو اثنين: ينبغي للعالم أن يعلم جلساءه شيئاً هاماً ألا وهو: (الله أعلم) ، يمسكهم بهذا الشعار، كلما سئلوا عن شيء لا يعرفونه فليصدروا الإجابة به: (الله أعلم) .
وقد قيل للقاسم بن محمد أو لابنه: إنه يعد عيباً على من هو في مثلك من الفضل أن تسأل عن شيء ولا نجد عندك فيه علماً! فقال: وأشد منه عاراً أن يقول الشخص عن الله أو عن رسوله بغير علم.
فينبغي أن يرفع الشخص شعار: (الله أعلم) ، فالرسول هنا سئل: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} فليس هذا من علمه، بل هو أمر خارج عن طاقته، وخارج عن حدود معرفته، {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: عملي الإنذار والتذكير.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} [الملك:٢٧] أي: قريباً، فالزلفى: القربة: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] ، وقيل لمزدلفة: مزدلفة -كما قال بعض العلماء- لأنه ازدلف فيها آدم من حوى أي: تقاربا، والله أعلم بهذا، والظاهر أنه من الإسرائيليات، لكن الزلفى: القربة، ويتزلف فلان إلى فلان أي: يتقرب فلان إلى فلان.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} أي: لما رأوا هذا اليوم والعذاب قريباً {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الملك:٢٧] أي: جاءها ما يسوءها {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} [الملك:٢٧] بمعنى: تدعون وتسألون، فإنكم كنتم كما تقولون: {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:١٦] ، وكنتم تقولون: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:٣٢] ، فمن العلماء من قال: (تدّعون) بمعنى: تدعون، ومنهم من قال: (تدّعون) هنا بمعنى: تكذبون، {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} أي: تكذبون.