وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ}[النساء:٦٤] الرسل أرسلت لتطاع، لا ليؤخذ من قولها ويرد، فقول الرسول ليس كقولنا، ودعاء الرسول ليس كدعائنا، ومناداة الرسول ليست كمناداتنا، قال تعالى:{لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[النور:٦٣] ودعاء الرسول ليس المراد به هنا الدعاء المعهود من طلب الشيء من الله إنما الدعاء طلب الرسول منكم، لأن الآية نزلت في حفر الخندق فكان أقوامٌ يتسللون ويهربون لواذاً أثناء حفر الخندق وأثناء غزوة الأحزاب، فأنزل الله في شأنهم هذه الآية:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:٦٣] .
وقال تعالى هنا:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ} ولكن هذه الطاعة منكم لأنبياء الله لا تكون إلا بإذن الله، فالقلوب لا يملكها إلا هو سبحانه وتعالى، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}[يونس:١٠٠] فطاعة العبد لله إنما هي من الله سبحانه وتعالى ومن توفيق الله للعبد، ولذلك يقول أهل الإيمان:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:٤٣] .
والآيات في هذا الباب في غاية الكثرة {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات:٧] فالمهتدي من هداه الله.