قوله:{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:٧] جواب القسم الذي مطلعه (والمرسلات) فإذا قيل: على أي شيء يقسم ربنا سبحانه وتعالى؟ فالإجابة إن ربنا سبحانه وتعالى يقسم أن ماتوا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ.
والمقصود بهذه الآية يوم القيامة وما فيه من البعث والحساب والثواب والعقاب، فكل ما وعدت به في كتاب الله عز وجل، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيقع، ويقسم الله سبحانه وتعالى على ذلك، وقد أقسم الله على ذلك في عدة مواطن.
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:٧] فيه تقرير البعث.
ثم يبين الله سبحانه وتعالى ما يكون ويحدث في ذلك اليوم:{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}[المرسلات:٨] طمست أي: ذهب ضوؤها ومحيت معالمها، فالطمس الحو؛ لأن النجوم في ذلك اليوم تتساقط وتتناثر كما في قوله تعالى:{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}[الانفطار:٢] وقوله: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:٢]{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}[المرسلات:٨] فالنجوم التي هي بهية المنظر ومزينة للسماء الدنيا، يمحى ضوؤها ويزال أثرها.
{وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}[المرسلات:٩] أي: السماء المحبوكة المشدود بعضها إلى بعض، كما قال سبحانه:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ}[الذاريات:٧] والحبك هو شد الشيء بعضه إلى بعض، فالحبك الشد والتلاحم والتلاصق، هذه السماء المحبوكة التي لا ترى فيها خطوطاً كما قال تعالى:{فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}[الملك:٣] وكقوله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}[ق:٦] فليس فيها فتحات وشقوق، أما في يوم القيامة فتحدث بها الشقوق والثقوب، بل ومن شدة هول هذا اليوم تنصهر السماء وتتساقط كما قال الله تعالى:{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ}[المعارج:٨] يعني: تنساب السماء وتصبح كالزيت المغلي من هول ذلك اليوم ومن شدة ذلك اليوم.
وهذه الأمور تكون في ذلك اليوم مع غيرها من الأمور، وهي أهوال مستطيرة وشديدة، كما قال أهل الإيمان:{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان:١٠]{وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}[الإنسان:٧] فالشر عام لكل الخلائق فأين تفر؟ السماء تكون كعكر الزيت تتساقط من فوق، النجوم يرمى بها وتأتي على الأرض -كما نسمع في الأخبار أن الكوكب الفلاني أوشك أن يصطدم بالأرض، والشمس تكور وتلف ويرمى بها هي الأخرى، والقمر كذلك يخسف القمر ويذهب ضوؤه كما قال الله:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ}[القيامة:٧-٨] ، والبحار تفجر، قال بعض أهل العلم: أي يختلط عذبها بمالحها، وقال بعض العلماء: إنها تشتعل ناراً كما قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:٦]{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}[الطور:٦] أي: الذي يتأجج ناراً، ومنه: سجرت التنور، أي: أحميته.
فكل هذه الأهوال والشدائد تحدث في ذلك اليوم، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}[المرسلات:٨-٩] أي: فتح فيها فتحات، وبعد فتح الفتحات تنزل الملائكة كما قال الله سبحانه وتعالى في آيات أخر {وَالْمَلَكُ}[الحاقة:١٧] أي: الملائكة {عَلَى أَرْجَائِهَا}[الحاقة:١٧] أي: على قطعها المتساقطة، فالملائكة كانوا يقفون فوق السماء، أما بعد تقطع وتمزق السماء فإنهم ينزلون ويقفون على قطع السماء التي سقطت.
{وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}[المرسلات:١٠] أي: أزيلت عن أماكنها، كما قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا}[طه:١٠٥-١٠٧] .