[تفسير قوله تعالى:(ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى.]
وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[المجادلة:٨] ، من هؤلاء الذين نهوا عن النجوى؟ وما هي صورة النجوى التي نهوا عنها؟ لأهل العلم في ذلك أقوال: من هذه الأقوال: أن هناك عمومَ نهي عن النجوى، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر؛ فإن ذلك يحزنه) ، ويلتحق بذلك إذا كنتم أربعة فلا يتناجى ثلاثة دون الرابع، وكذلك إذا كنتم عشرة فلا يتناجى تسعة دون العاشر؛ لأن الحزن وارد بصورة أكبر في التسعة إذا تركوا الواحد، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر فإن ذلك يحزنه) ، ونحن مأمورون بدفع كل ما يحزن المسلم، كل شيء فيه جلب الحزن للمسلمين أمرنا بالابتعاد عنه، وكل شيء فيه إدخال السرور على المسلمين أمرنا بفعله، وجاء الترغيب فيه والحث عليه، ومن ثم شرعت المواساة بعيادة المرضى وبالتعزية للجنائز، وبالزيارات ابتغاء وجه الله، وبالهدايا التي تدخل السرور، وبإفشاء السلام الذي يجلب المودة ويدفع الهموم ونحو ذلك.
لقد كان أهل النفاق يجلسون مع بعضهم البعض يتحدثون جهراً، فإذا مر بهم مسلم من المسلمين تناجوا فيما بينهم وتركوا المسلم، فيغتم لذلك المسلم، ويظن أنهم يريدون به السوء، ويظن أنهم يتحدثون في أمر من الأمور التي ستجتاح المسلمين، فيصاب بالحزن وبالهمّ لهذه المناجاة، وكان اليهود أكثر من يستعمل ذلك على عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يجلسون مع بعضهم البعض وإذا مر بهم المسلم بدءوا في التناجي، ولا حاجة لهم إلى التناجي؛ ولكن يتناجون كي يغتم المسلم، ويجلبوا له الهم والنكد، فيفكر المسلم ويقول: ماذا يريدون بي؟! لعلهم يتآمرون لقتلي لما علموا بسفري! فيغير خط سيره في السفر، لعلهم يتحدثون عن مؤامرة ضد المسلمين فيغير أعماله، فكان قصدهم من التناجي هو إيذاء المسلمين بصورة من الصور.
فعلى ذلك قد يتجه بعض إخواننا إلى هذا التناجي المذموم، وخاصة في أوساط النساء اللواتي يتحدثن سراً، وتريد امرأة أن تكيد أخرى فتجلس وتناجي ثالثة، فكل هذا سلفه اليهود، هم الذين بثوا هذا الأذى في المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.