قال الله سبحانه وتعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ}[الطور:٣٥-٣٦] أي: لا يصدقون، {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ}[الطور:٣٧] يرزقون من شاءوا ويمنعون من شاءوا، {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}[الطور:٣٧] ، فخزائن الله لا يملكها أحد إلا هو سبحانه، كما قال سبحانه:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}[الحجر:٢١] ، وكما قال تعالى:{قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا}[الإسراء:١٠٠] ، وكما قال سبحانه:{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}[المنافقون:٧] فخزائن كل شيء بيده، فمن ثم سل الله من خزائنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يد الله ملأى سحاء الليل والنهار -أي: تصب الخير بالليل والنهار- أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض! فإنه لم يغض ما في يمينه شيئاً -أي: لم ينقص ما في يمينه شيئاً- وبيده الأخرى الميزان يرفع ويخفض) ، فالخزائن كلها بيد الله، فإن شئت الثراء فسل الله الثراء، وإن شئت الغنى فسل الله الغنى، فخزائن كل شيء بيديه، ولا ينبغي أبداً أن يفارقك هذا الظن، ويبتعد عنك هذا اليقين، وأن يزول عنك هذا التصور، بل عليك دائماً أن توقن أن خزائن كل شيء بيديه، وكل أنواع الفتوحات من عنده سبحانه وتعالى، من الأرزاق والأموال والأفهام والأخلاق والكلمات الطيبة، وكل شيء خزائنه عند الله سبحانه وتعالى.
قال الله سبحانه:{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ}[الطور:٣٧] يتحكمون في الخلق، ويرزقون من شاءوا ويمنعون من شاءوا، {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}[الطور:٣٧] أم هم المغالبون على الدنيا يذلون من شاءوا ويهينون من شاءوا ويعزون من شاءوا؟ لا، بل الله هو الذي يعز، وهو الذي يذل، وهو الذي يرفع، وهو الذي يخفض، وهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، هذا ذو منصب الآن وفي الغد وضيع، هذا ذو جاه الآن وفي الغد ذليل حقير -والعياذ بالله-، فالأيام يصرفها ربنا كيف يشاء، ويداولها سبحانه كيف يشاء، يعز ويذل، ويقبض ويبسط، يميت ويحيي سبحانه وتعالى.
قال سبحانه:{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}[الطور:٣٧] على الكون وعلى الحياة وعلى الخلق، {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}[الطور:٣٨] أي: هل لهم سلم يصعدون عليه، ويستمعون إلى ما يدور في الملأ الأعلى، وينقلون الوحي إلى الناس به؟ {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ}[الطور:٣٨] أي: مدعي هذا الاستماع {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الطور:٣٨] أي: بحجة بينة موضحة للذي قال وزعم.
قال تعالى:{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}[الطور:٣٩] فقد كان أهل الكفر يدعون لله البنات، ومنهم من يقول: إن الملائكة إناث، وأنها بنات لله سبحانه، وهناك طائفة تقول: البنات في الجملة بنات الله، وطائفة تقول: إن الملائكة إناث، وهؤلاء الإناث هم بنات لله سبحانه، قال تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف:١٩] ، وكان هذا اعتقاد قبيلة خزاعة من المشركين، كانت تعتقد هذا المعتقد الرديء.