[التحذير من مجاورة ومجالسة أهل الظلم]
قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:١٤٠] : وهذا أصل في الكتاب العزيز وفي ديننا بصفة عامة، ألا وهو أن أهل الظلم ينبغي ألا يجاوروا ولا يساكنوا والأدلة على هذا متعددة، قال الله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:١١٣] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر) ، وقد (أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج المخنثين من البيوت) .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر قاتل التسعة والتسعين نفساً، ثم أتمهم بشخص فكان المجموع مائة، فذكر أن العالم أفتاه أن يترك أرضه أرض السوء.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنفي البكر من الزناة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) فالشاهد: أن السنة في الزناة الأبكار أن يغربوا وينفوا من البلاد سنة.
وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها، ثم إن زنت فليجلدها، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب، فإن عادت فليبعها وولو بضفير) أي: بضفير شعر، وذلك ليتخلص منها.
فهذه النصوص كلها تضع لنا أصلاً؛ وهو البعد عن مجالسة أهل الظلم، والحرص على مجالسة أهل الصلاح، فإن أهل الصلاح لا يشقى بهم جليسهم، وأهل الفساد قال الله سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥] أي: لا تنزل بالمصيبة على الظالمين فحسب بل تعم.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم، قالت عائشة: يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم يا رسول الله؟! قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة) الحديث.
فكل هذه النصوص تؤصل لنا أصلاً قوياً وهو: أن الشخص ينبغي أن يحترز أشد الاحتراز من مجالسة أهل الظلم والفسق ولا يجلس معهم إلا بقدر، ويؤيد هذا الباب أيضاً بقوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٣] ويتأيد هذا الأصل أيضاً بما ورد من أنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقالت امرأة لناقتها: شأ لعنك الله -أي: امشي لعنك الله- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصحبنا ناقة ملعونة) ورد النبي صلى الله عليه وسلم الناقة، وأيضاً في هذا الباب من الطرف ما يكاد يكون خفياً كقول الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام موصياً ولده إسماعيل (غير عتبة بابك) .
فكل هذه النصوص تدل على أصل ثابت في شريعتنا، وهو أن الشخص لا ينبغي أن يوالي الكفار وأهل الظلم، فإنه يلحقه من موالاتهم ومجالستهم نار وعذاب، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:١١٣] إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك فهذه الضرورة تقدر بقدرها، وإذا انتهت فلا معنى للجلوس، قال الله جل ذكره: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:١٤٠] ، وإذا لم تفعلوا وتتركوا المجلس: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:١٤٠] عياذاً بالله.
فالآية تصور الواقع الذي نعيشه: أقوام يلتمسون من الكفار العزة، ويطيرون إليهم، ويستبشرون بمقابلتهم، فرب العزة يقول: {إنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:١٤٠] .