قال سبحانه:{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦] أي: كنا في حياتنا الدنيا في أهلنا خائفين، ومن أهل العلم من قال: هنا مقدر محذوف، وتقديره:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الطور:٢٥] قال بعض العلماء: أقبل كلٌ منهم على الآخر يسأله ويقول له: أتدري متى غفر لنا؟ غفر لنا يوم أن جلسنا بمجلس كذا وكذا نستغفر الله، غفر لنا يوم أن كنا نحن وأنت في مكان كذا وكذا ودعونا الله، غفر لنا يوم سرنا في طريق كذا وكذا وأمطنا الأذى عن الطريق، غفر لنا يوم أن اتبعنا الجنازة، أو يوم أن عدنا مرضى، فكلٌ يذكر الآخر بالوقت الذي غفر له فيه، هذا قول، لكن صريح الآيات لا يعارضه، ولكنه أقوى منه في المأخذ، والله أعلم.
قال تعالى:{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦](قبل) أي: في حياتنا الدنيا، (في أهلنا) أي: في وسط أهلنا، (مشفقين) أي: خائفين من عذاب الله، فهذا الشعور ينبغي أن ينتاب المؤمن، ألا وهو الخوف من عذاب الله سبحانه، شعور يجب أن ينتاب المؤمن في حياته الدنيا.
هاهم أهل الإيمان يقولون:{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور:٢٦-٢٧] و (السموم) هو الحر الشديد، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}[الطور:٢٨] و (البر) قال بعض العلماء: المراد به اللطيف، فجمعوا بين خصلتين، {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦](مشفقين) أي: خائفين، ومع ذلك:{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ}[الطور:٢٨] أي: كانوا يدعون ربهم مع خوف وإشفاق، كما قال سبحانه:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء:٩٠] .
فعلى المسلم أن يوطن نفسه على هذه الأحوال، ألا وهي: دعاء الله سبحانه وتعالى مع الخوف والشفقة من عذابه، فهذا هو حال أهل الإيمان، وقد دلت عليه عشرات النصوص من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب على المسلم أن يدعو ربه دعاء الخائف من عذابه الراجي رحمة ربه.