للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التحدث بنعم الله]

وهنا يرد بحث عاجل وسريع يتعلق بمسألة التحدث بنعم الله تعالى على الأشخاص: فإذا أنعم الله على عبد بنعمة، هل يشرع له أن يحدث بهذه النعمة، أم أنه يكتمها ولا يحدث بها؟ عندنا نصوص تفيد أنه يجب علينا أن نتحدث بنعم الله تبارك وتعالى علينا، كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١١] ، فهذا أمر بالتحديث بالنعمة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) ، فهذا حث على التحديث بالنعمة.

وهناك نصوص أخرى تجعلنا نحجم عن التحديث بالنعم، كقول يعقوب عليه السلام: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف:٥] ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به من يحب) ، مفاده: ألا يحدث به من يكره.

وفي الباب في معرض المنع من التحديث: حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي صحته نزاع، ونرى أنه ضعيف لا يصح، ألا وهو: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود) ، هذا الحديث وإن حسنه بعض الأفاضل من المعاصرين إلا أن أكثر الأولين على تضعيفه؛ كالإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من العلماء.

فالشاهد من ذلك: أن مسألة التحديث بالنعم لها فقه، فإذا كنت ترجو من الذي تحدثه بنعمة الله عليك أن يدعو الله لك بالبركة وأنه سيفرح لفرحك؛ فحينئذ حدثه بالنعمة، وإذا كنت تراه حاسداً يخطط لتدميرك ويسعى في الكيد لك؛ فلتكتم عنه هذه النعمة، ومن هنا قال يعقوب ليوسف: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف:٥] ، ثم ذكر السبب قال: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:٥] ، وقوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، من العلماء من قال إن هذا من قول يعقوب.

وهو الأظهر.

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف:٦] ، أي: يختارك ربك ويصطفيك من بين إخوتك، فالذي يجتبي ويختار هو الله، والذي يفضل هو الله، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:٧٥] ، وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:٦٨] ، فليس لك إذاً أن تعترض على أقدار الله تبارك وتعالى.

قال: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} [يوسف:٦] ، وتأويل الأحاديث هنا هو تأويل الرؤى، فقد أوتي يوسف صلى الله عليه وسلم فيها ومنها علماً عظيماً لا يبارى.

(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) أي: بالنبوة، فهي أعظم النعم، {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:٦] .