للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذم الرياء والمرائين]

قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٦-٧] .

(يراءون) أي: يعملون العمل كي يراهم الناس، ولا يبالون برؤية الله لهم، يأتون للصلاة ويصلون كي يراهم الناس فيثنون عليهم، ويعمدون إلى الصدقة فيأتون أمام الناس ويتصدقون عمداً كي يراهم الناس، وهكذا {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٤٢] فهذه الآية في ذم المرائين.

وهناك آيات أخر فيها ذم المرائين كما في مثل قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال:٤٧] وقوله: {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء:٣٨] .

وأحاديث وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذم الرياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر.

قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء) وفي بعض الزيادات: (إذا جاء الناس بأعمالهم يوم القيامة، يقول الله: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء) ، وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣] .

قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون:٦] أي: يظهرون أعمالهم للناس، {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٧] (الماعون) : للعلماء فيه أقوال: مدارها على أن الماعون كل ما يستعار كي تقضى به الحاجة، مثل الأمور التي يستعيرها الناس بعضهم من بعض، فمثلاً: طالب يذاكر في الكلية مع طالب، قال له: أعرني كتابك أذاكر فيه إذا لم تكن تذاكر فيه، أو تقول المرأة لجارتها: أريد الخلاط أخلط فيه بعض العصيرات إذا لم تكوني تستعملينه الآن، فكل هذا المنع فاعله مذموم.

هل منع الماعون محرم أم مكروه؟ ذهب فريق من العلماء إلى أنه محرم؛ لأن الله سبحانه وتعالى توعد الذين يمنعون الماعون.

ومن أهل العلم من قال: إنه مكروه فقط؛ لأن الذم الذي في مانعي الماعون جاء مقروناً بقوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٤-٧] فالمنع للماعون جاء مقروناً بترك الصلاة.

وجمهور العلماء على أن الإعارة مستحبة وليست بواجبة، وهناك نصوص حملتهم على القول بأنها مستحبة وليست بواجبة، ومن هذه النصوص الأخذ بالعمومات، كما ورد في الحديث الذي بمجموع طرقه ممكن أن يحسن: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه) ، وقوله: (هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) هذه النصوص تحمل العلماء أحياناً على الحكم بأنها مستحبة وليست بواجبة، وهذا رأي جمهور أهل العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.