قال تعالى:{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}[الطارق:٨] : {إِنَّهُ}[الطارق:٨] أي: ربه، {عَلَى رَجْعِهِ}[الطارق:٨] الهاء في قوله: (على رجعه) ترجع إلى ماذا؟ فيها أقوال للعلماء: أحد هذه الأقوال: أن الضمير في قوله: (إنه على رجعه) راجع إلى الإنسان، أي: أن الله قادر على إرجاع الإنسان حياً بعد موته وذلك يوم القيامة.
وقول ثان: أن الله قادر على إرجاع الإنسان من حال الشيخوخة إلى حال الشباب إلى حال الطفولة، وهذا القول الثاني استظهره بعض العلماء في تأويل قول زكريا صلى الله عليه وسلم:{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ}[آل عمران:٤٠] فزكريا أولاً قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}[مريم:٥] ، سأل ربه أن يرزقه الولد، ثم لما بشر بالولد قال:{رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} أنى يكون لي ولد؟ {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا}[مريم:٥] ، فلماذا هو سأل؟ ثم لماذا تعجب أن دعوته استجيبت؟ لأهل العلم التماسات للإجابة على هذا السؤال، فمنهم من يقول: إنه سأل وقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}[آل عمران:٣٨] فلما أخبره الله سبحانه أنه بشر بالذرية الطيبة أراد أن يستثبت من الخبر وهو لا يكذب لكن يفرح أكثر إذا أعيد الخبر على مسامعه، كأن يأتيك شخص مباشرة بخبر سار غاية السرور، يقول لك: حصل كذا وكذا، فتفرح فرحاً شديداً، لكن تريد أن يعاد الخبر على مسامعك مرة ثانية ومرة ثالثة، وتحب أن يعاد الخبر على مسامعك مرات، فهذا الوجه الأول: أنه أراد أن يعاد الخبر على سمعه مرات؛ تشوقاً لسماع البشرى.
والوجه الثاني: أنه سأل فقال: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ}[مريم:٨] أي: يا رب! هل الغلام سيأتيني وأنا على هذه الحالة من الكبر أو سأرد صبياً مرة ثانية؟ وزوجتي هي الآن عجوز عقيم عاقر، فهل سترجع شابة وتحمل؟ وكل هذا ليس بعزيز على الله سبحانه وتعالى، وزكريا عليه السلام كان يستفسر هذه الاستفسارات على قول بعض العلماء.
الشاهد: أن قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} فيه أقوال: أحد الأقوال: أن الله سبحانه وتعالى قادر على إرجاع الإنسان حياً بعد موته للحساب يوم القيامة.
القول الثاني: أن الله قادر على إرجاعه من حال الشيخوخة إلى حال الشباب إلى حال الطفولة.
القول الثالث: أن قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} أي: قادر على إرجاع المني إلى الأحليل وإلى صلب الرجل وإلى ترائب المرأة، فالله قادر على أن يرجع المني الذي أخرج بدفق إلى الصُلب الذي خرج منه، وإلى ترائب المرأة التي خرج منها، وإن كان هذا مستحيل بطرقنا الخاصة، فمستحيل تماماً أن يفعل هذا البشر، لكن الله سبحانه قادر على ذلك.