حكم من قتل مؤمناً من قوم كفار خطأ
يقول الله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء:٩٢] ، أي: إذا كان المقتول مؤمناً لكن قومه كفار، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:٩٢] ، وحذفت الدية المسلمة إلى أهله، وهذه الآية استأنس بها العلماء الذين يقولون باعتبار المقاصد في الأحكام؛ لأن المؤمن لما قُتل وهو من قوم كفار، فإذا أعطينا للقوم الكفار الدية وسلمناهم الدية استعانوا بها على قتال أهل الإيمان، فخشية أن يستعينوا بالدية على أهل الإيمان حذفت الدية -والله أعلم- ومنع منها الكفار، واقتصر على تحرير الرقبة فقط، وهذا من اعتبار المقاصد في الأحكام، وفي الحقيقة أنه من المسائل الشائكة جداً.
ونضرب مثالاً آخر -ونحتاج من أخينا الشيخ صالح أن يعقب لنا بما يدور عندهم في المحاكم-: في مرض الموت قال رجل: زوجتي طالق، فسئل: لماذا طلقتها؟ فقال: طلقتها لكي لا ترث، ثم مات، وكان هذا الطلاق غير رجعي، إما أنه آخذ ثلاث تطليقات فتكون مبتوتة، أو أنه طلاق قبل البناء، فالشاهد: أنه طلاق غير رجعي، ثم مات الرجل، فهل يعتبر هذا الطلاق أو لا يعتبر؟ إذا اعتبرت المقاصد قلت: الشاهد أن مسألة طلاق المرأة في مرض الموت تنازع فيها السلف، وقد ذكرنا أن أمير المؤمنين عثمان يرى أن هذا الطلاق لا يقع، وقد ورث عثمان رضي الله عنه امرأة عبد الرحمن بن عوف لما طلقها عبد الرحمن في مرض الموت، وأبى ذلك عبد الله بن الزبير وقال: (لا أورث مبتوتة) .
وورد أن أمير المؤمنين عمر لما بلغه أن غيلان بن جرير الثقفي طلق أزواجه كلهن خشية الميراث، قال له: (إني يخيل إليَّ أن الشيطان فيما يسترق من السمع أخبرك بموتك، فقسمت ميراثك على بنيك وطلقت نساءك، فوالله لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال، فراجع النساء، ثم ما لبث إلا أياماً حتى مات) .
فلا أدري بم تقضي المحاكم اليوم يا شيخ صالح؟ الشيخ صالح: تبطل جميع تصرفاته عند مرض الموت.
الشيخ: أخوكم الشيخ صالح حفظه الله يقول: إن الجاري في المحاكم الآن أنها إذا طلقت في مرض الموت وثبت أن هذا المرض هو مرض الموت ولم يقم من مرضه؛ لأنه إذا قام من المرض ثم تعافى وبقي على طلاقه ثبت الطلاق، لكن إذا ثبت أنه مرض الموت ولم يقم منه بطلت جميع تصرفاته.
والإمام الشافعي يرى أن الطلاق واقع هو وأبو محمد ابن حزم.
وإن سألنا عن الدليل، هل تعلم لهم دليلاً يا شيخ صالح حفظك الله؟ هل تعلم دليلاً لإبطال تصرفات المريض كلها؟ الشيخ صالح: لسوء نيته.
الشيخ: دليل القانونيين أنه سيء النية، وما الذي أدخل القانونيين في نيته؟!! الشيخ صالح: هكذا اعتبروه.
الشيخ: هكذا اعتبروه، هب أن هناك سيء النية مثله وهو صحيح لم يمرض، كرجل معافى وصحيح، فقال: زوجتي طالق؛ حتى أحرمها من الميراث، فهذا سيء النية.
الشيخ صالح: نعم سيء.
الشيخ: سيء، ولكن لا يؤاخذه القانون.
الشاهد: أن أبا محمد ابن حزم رحمه الله سبقه الإمام الشافعي رحمه الله وسبقهم عبد الله بن الزبير رحمه الله ورضي عنه، وقالوا: بأنه يقع الطلاق، شأنه شأن الصحيح، وأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه رأى عدم الوقوع، وليست هناك أدلة صريحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الباب، ونرجع إلى التفسير: