[تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه.]
{كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس:٢٣-٢٧] هناك ربط قوي بين قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس:٢٤] ، وبين قوله تعالى: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس:١٨-١٩] ، فربط واضح غاية الوضوح، شق فرج المرأة فخرج منه الطفل، {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:٢١-٢٢] .
وقال سبحانه: {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا} [عبس:٢٤-٢٥] نزل الماء من السماء صباً على الأرض، كما أن المني دخل من الرجل على فرج المرأة.
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا} [عبس:٢٦] كما انشقت الأرض وأنبتت النبات، ففرج المرأة فتح وخرج منه الطفل.
{فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:٢٧-٣١] أشكال وأصناف من النباتات، كذلك خرجت من الفروج أشكال وأصناف من البشر؛ القوي والضعيف، والدميم والجميل، والذكي والغبي، والأحمر والأبيض والأسود، وذو العين الزرقاء، وذو العين الخضراء، وذو العين السمراء، أشكال وألوان لا يعلمها إلا الله، كما خرجت من الأرض هذه الأصناف من النباتات.
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس:٢٦-٢٧] والحب: الحنطة والشعير ونحوه {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس:٢٧-٢٨] القضب هو: البرسيم.
{وَحَدَائِقَ غُلْبًا} [عبس:٣٠] والأغلب هو: غليظ الرقبة، فالشجرة الغلباء هي الشجرة غليظة الجذع، ومنه قول الفرزدق يهجو جريراً.
عوى فأثار أغلب ضيضمياً فويل ابن المراغة ما استثارا فالأغلب هو الغليظ، {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} [عبس:٣٠] أي: حدائق ذات أشكال غليظة، وأطلق على الحديقة حديقة لإحداقها بمن فيها، فلا يكاد يرى، أحدقت بهم الأشجار، أو أحدق الناس بالعدو أي: حاصروه والتفوا حوله {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} [عبس:٣٠] .
{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:٣١] الأب توقف بعض العلماء في تفسيره وبيان المراد به، فكان عمر ينقش بعصاه في وسط أصحابه على الأرض، وقرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:٣١] فقال: (أما الفاكهة فقد عرفناها، أما الأب فما هو؟ ثم انطلق وقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر، ولم يفسرها رضي الله تعالى عنه) .
{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:٣١] من العلماء من قال: إن الأب هو ما يأكله الحيوان لاقترانه بالفاكهة، ولقوله تعالى: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس:٣٢] .
ونرجع قليلاً إلى الآية الكريمة: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس:٢١] فكذلك النبات، تخرج كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس:٢٤] ، {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد:٢٠] .