[حكم الطلاق المعلق وأقسامه]
صورة أخرى من صور الطلاق المشهورة بين الناس وهي: مسألة الطلاق المعلق.
أولاً: جمهور العلماء يوقعونه إذا وقع الشرط الذي علق عليه الطلاق، فإذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق إذا خرجتِ، أنتِ طالق إذا دخلتِ، أنتِ طالق إذا طلعت الشمس، أنتِ طالق في رمضان القادم، أنتِ طالق في فصل الربيع، فكل هذه عند الجمهور تقع إذا وقع الشرط الذي علق عليه الطلاق.
ثانياً: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وهو رأي عدد من السلف، ورأي كثير من أهل العلم، لهم تفصيل في مسألة الطلاق المعلق، فقالوا: التعليق على قسمين: القسم الأول من أقسام التعليق: أن تعلق الطلاق بقصد التهديد أو الحث على فعل شيء، كأن يقول الرجل لزوجته: أنتِ طالق إذا خرجتِ، لا ينوي تطليقاً إنما ينوي تخويفاً وتهديداً، أو: أنتِ طالق إذا لم تفعلي كذا، وهو لا ينوي تطليقاً إنما ينوي حثاً على الفعل.
قالوا: فهذا لا يقع طلاقه وكفارته كفارة يمين.
أما إذا قال لها: أنتِ طالق إذا رأينا القمر، فالقمر لابد وأن يُرى، أو أنتِ طالق إذا رأينا الشمس، فالشمس لابد وأن ترى، قالوا: فيقع إذا علق على شيء سيقع أو كان يقصد الطلاق.
ثالثاً: رأي أبي محمد ابن حزم رحمه الله تعالى، وهو مروي عن الحسن البصري وهو بعض روايات بعض الشافعية، قالوا: لا يقع الطلاق المعلق بأي صورة من الصور، إلا إذا قال للزوجة بعد فعل هذا الشيء: أنتِ طالق.
هذه أقوال العلماء في الطلاق المعلق نبحث لها عن استدلالات: أولاً: لم أقف على أي دليل صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة الطلاق المعلق، ولا وقفنا على أي واقعة حدثت بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن طلاقاً معلقاً قد حدث، هذا بالنسبة للأخبار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الموقوفات على الصحابة فأسانيدها لم تبرز لنا إلا أثراً معلقاً ورد في البخاري، ولكن الحافظ لم يورد له إسناداً، وما اطلعنا له على إسناد صحيح إلى الآن.
فالجمهور قالوا: يقع هذا الطلاق إذا وقع الشرط الذي أخذه على نفسه، لأن هو الذي اشترط على نفسه هذا، فنلزمه ما ألزم به نفسه، وشيخ الإسلام ابن تيمية استدل على التفصيل بأثر صحيح الإسناد عند عبد الرزاق في المصنف، وعند ابن أبي شيبة فحواها: أن امرأة أتت إلى حفصة وقالت: يا أم المؤمنين! إني قلت لهذا الرجل أو لقريب لي أو لعبد: إذا تطلق امرأتك فكل أموالي في رتاج الكعبة - أي: فكل أموالي سأجعلها وقفاً- وكل عبد لي فهو حر، فماذا أصنع؟ قالت لها حفصة: كفِّري عن يمينك وخلي بين الرجل وبين امرأته، فالمرأة لم تقتنع بالإجابة فذهبت إلى ابن عمر فأفتاها بنفس الفتيا، فذهبت إلى صحابي ثالث فأفتاها بنفس الفتيا.
فقال: هذا يدل على أنها تكفر عن يمينها وتعد يميناً، وهو فعل الأصحاب، وهو أولى من غيره، فهذا مستند الذين فصَّلوا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية.
أما أمثلهم استدلالاً رغم قلة القائلين بهذا الرأي، فـ ابن حزم؛ إذ استدل بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب:٢٨] فهذا تعليق {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:٢٨] فلم يقل لهن: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فأنتن طوالق؛ لأنه إذا قال لهن: (فأنتن طوالق) ، فمعناه: أنه جعل الطلاق لهن، والطلاق عند الفقهاء لمن أخذ بالساق، فقال الله لنبيه: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ} [الأحزاب:٢٨] فرجع الأمر ثانية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو الزوج، قال: فكذلك ينبغي أن يرد الأمر إلى الزوج، فإذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق إذا اخترتِ كذا، فاختارت هذا الشيء، فإنه يرجع هو ويطلقها بنفسه، فإن تخلف عن التطليق لم يقع عند هؤلاء الذين قالوا بهذا القول، وهو أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى، وهو قول الحسن البصري وقول بعض الشافعية.
والله أعلم.
هذا بالنسبة للطلاق المعلق على وجه الإجمال، وهناك مسائل أخر كطلاق الغضبان وفيها تفصيل يأتي في محله إن شاء الله، وطلاق المكره، وطلاق الموسوس ونحو هؤلاء، وستأتي في ثنايا الشرح إن شاء الله.