ولكن كرم يوسف عليه السلام لا يسمح له بالاسترسال فيما هو فيه أمام هذا الضعف وهذه المسكنة التي صدرت من إخوته، قال يوسف عليه السلام:{هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}[يوسف:٨٩] ، وصدق الله إذ قال:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[يوسف:١٥] ، أي مفاجأة أكبر من هذه المفاجأة؟! {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ}[يوسف:٩٠] ، فقال بتواضع الأنبياء كلمات في كل فقرة منها أدب نتأدب به:{قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي}[يوسف:٩٠] ، أي تواضع أشد من هذا التواضع؟! لم يقل: أنا العزيز يوسف، ولم يقل: أنا الملك يوسف، ولم يقل: أنا الوزير يوسف، ولم يقل: أنا الدكتور يوسف، فإن هذه اللهجة من الكبرياء والتعالي التي يستعملها بنو زماننا وأولاد جلدتنا لم تكن من شأن الأنبياء، بل كان من شأنهم التواضع:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[النمل:٣٠] ، نبي ملك تسخر له الجن والريح والطير معه، وكذلك الشياطين كل بناء وغواص، يرسل رسالة إلى امرأةٍ يقول فيها:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[النمل:٣٠] ، لم يقل: من الملك الذي سخرت له الرياح أبداً، إنما بتواضع نتعلمه من أنبياء الله، إذ هم المعلمون، وهم القدوة صلوات الله وسلامه عليهم.
ونظيره في قول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في رسالته لـ هرقل:(من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم) ، وفي مصالحته يوم الحديبية:(هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو) ، إنه أدب يبعدنا عن الكبر والفخر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ثلاث أقسم بالله عليهن: ما تواضع عبد لله إلا رفعه الله، وما زاد الله بعبد عفواً إلا عزاً، وما نقصت صدقة من مال) .