[تفسير قوله تعالى:(والله من ورائهم محيط) وبيان منهج أهل السنة في الأسماء والصفات]
قال تعالى:{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}[البروج:٢٠] ، هل تمر كلمة (محيط) على ظاهرها لعدم الوقوع في شيء مما يخل بالأسماء والصفات، أو يلتمس لها بعض التأويل؟ منهج أهل السنة في الأسماء والصفات باختصار: أننا نثبت لله ما أثبته لنفسه، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه سبحانه وتعالى، ونثبت لله ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وننفي عنه ما نفاه عنه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا أثبتنا شيئاً لله تنفى المماثلة والمشابهة، لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] هذا بإيجاز واختصار شديد كالمضمن في قولنا: لا إله إلا الله، فـ (لا إله) نفي الآلهة، (إلا الله) إثبات الألوهية لله سبحانه وتعالى.
أما قوله تعالى:{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}[البروج:٢٠] من العلماء من التمس لها بعض التأويل، فقال:{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} أي: أن الله سبحانه وتعالى مهلكهم، واستدل قائل هذا القول بقول الله سبحانه تعالى:{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}[الكهف:٤٢] أي: أهلك ثمره، {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}[الكهف:٤٢] ، واستدل أيضاً بقول الله سبحانه وتعالى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[يونس:٢٢] ، فمن العلماء من قال:{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}[البروج:٢٠] ، أي: أن الله سبحانه وتعالى مهلكهم، ومنهم من قال:{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} أي: محصٍ لأعمالهم ومجازيهم عليها.
قال تعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:٢١] أي: كريم.
قال تعالى:{فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج:٢٢] ، من أهل العلم من قال: أي: مثبت في اللوح المحفوظ عند الله سبحانه وتعالى.
ومنهم من قال قولاً لا أعلم عليه دليلاً ألا وهو: أنه مثبت في جبهة إسرافيل، ولا أعلم لهذا القول سنداً لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكلمة (مَحْفُوظٍ) من أهل العلم من قال: (مَحْفُوظٍ) أي: مثبت، ومنهم من قال: مَحْفُوظٍ من أن تمتد له أيدي العابثين، كما قال سبحانه:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:٤٢] ، فمن أهل العلم من فسر (الباطل) بالشيطان.