تفسير قوله تعالى:(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا.)
قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}[الحشر:٢] المراد بالكفار هنا: صنف مخصوص من الكفار وهم اليهود، وصنف مخصوص من اليهود وهم يهود بنو النضير، فإن قال قائل: وهل اليهود والنصارى كفار؟ قلنا: نعم؛ لأن الله قال:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}[البينة:١] ، فوسِموا بالكفر في قوله تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}[البينة:١] ، وكذلك قال تعالى في شأن النصارى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}[المائدة:٧٣] ، وقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}[المائدة:١٧] .
فقوله سبحانه:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الحشر:٢] ، عام أُرِيد به الخصوص، فالمراد هنا طائفة مخصوصة، وهم يهود بني النضير.
وقوله تعالى:(مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) الكتاب المراد به: التوراة، وهو كتاب اليهود الذي نزل على نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى:(مِنْ دِيَارِهِمْ) هي: المتاخمة للمدينة في أطرافها.
وقوله تعالى:(لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) قال عكرمة رحمه الله تعالى، ونُقِل القول أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غير واحد من أهل العلم: من شك أن الشام هي أرض المحشر فليقرأ هذه الآية: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) أي: لأول الجمع، فالحشر حشران: الأول هو حشر اليهود وجمعهم في الشام، والحشر الثاني هو حشرهم يوم القيامة مع الخلائق، وذلك أن يهود بني النضير أُخرِجوا وأجلوا إلى الشام حين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم حصاراً شديداً بعد ظهور الغدر منهم، فنزلوا على حكمه بإجلائهم مع حمل ما أقلّته ركابهم وخيولهم إلا السلاح.