{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}[يوسف:٤٦] ، أي: في رؤيا مؤداها: سبع بقرات سمان، {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ}[يوسف:٤٦] ، أي: هزال ضعاف، {وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}[يوسف:٤٦] ، فيوسف صلى الله عليه وسلم قد علمه من قبل التوحيد وأظهر له أمر الدين والمعتقد، فالمقام حينئذٍ مقام دخول مباشر في تأويل الرؤيا، ولم يشترط يوسف للتأويل شرطاً، وهذا من كرم يوسف صلى الله عليه وسلم، وقد ورد بإسناد مرسل -والمرسل من قسم الضعيف- من طريق عكرمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد عجبت والله من كرم أخي يوسف وفضل أخي يوسف، لما أتاه السائل يسأله: أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، عبر له الرؤيا، ولو كنت مكانه لاشترطت الخروج من السجن، والله يغفر له،)(ولقد عجبت والله من كرم أخي يوسف وصبر أخي يوسف والله يغفر له، لما أرسل إليه الملك قائلاً: ائتوني به! قال: ارجع إلى ربك، ولو كنت مكانه لأجبت الداعي) ، وهذا الخبر مرسل كما سمعتم، وسيأتي بعضه متصلاً.
قال الصديق يوسف صلى الله عليه وسلم مفسراً الرؤيا ومعبراً لها:{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا}[يوسف:٤٧] ، أي: متصلة متواصلة، تثمر فيها الأرض باستمرار طول السبع سنين، {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ}[يوسف:٤٧] ، أي: فاتركوه في سنبله، وهذا من فن علم التخزين، فكتاب ربنا ما فرط الله فيه من شيء، فإن أصول العلوم في كتاب الله فأصل علم الحدادة في قوله:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}[سبأ:١١] ، والهندسة والفواخير في كتاب الله:{وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ}[سبأ:١٣] ، وكذلك قول الله تعالى:{صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}[الرحمن:١٤] ، وأصل علم الزراعة كذلك في كتاب الله، وأصول الصنائع كلها في كتاب الله، وفي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
هكذا فسر يوسف صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا للمك: تزرعون سبع سنين متصلة، فما حصدتم فذروه في سنبله، فهو يعلمهم كذلك ولا يكتفي بالإخبار، فهل يجوز من ذلك بيان وجوه الانتفاع للكفار؟ استدل به على جواز ذلك؛ لأن يوسف عليه السلام علم الكفار ما ينفعهم وينقذهم من المجاعات، فعندئذ يجوز مثل هذا ما لم يكن الكافر محارباً، وسيأتي في ذلك مزيد بحث إن شاء الله تعالى.