للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن علينا للهدى)]

قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:١٢] ، أي: علينا أن نبين للناس طريق الهداية، وطريق الغواية كذلك يبينه الله للعباد، ولكن حذف لدلالة السياق عليه، كما قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل:٨١] ، أي: وتقيكم البرد، وفهم أنها تقينا البرد من كونها تقينا الحر، وكذلك قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:١] ، أي: ونساءً كثيراً كذلك، فقوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) ، أي: وإن علينا أيضاً بيان طريق الضلالة كذلك، كما قال تعالى في الآية الأخرى، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:٣] ، وكما قال في الآية الثالثة: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:١٠] ، يعني: بينا له الطريقين.

وقوله سبحانه: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) فيها قولان لأهل العلم: القول الأول: إن علينا أن نبين لخلقنا طريق الهداية وطريق الغواية، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:٣] ، فهذا هو القول الأول.

القول الثاني: إن هداية الناس مردها إلينا لا إلى غيرنا، فلا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس:١٠٠] ، وكما قال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس:٩٩] ، وكما قال أهل الإيمان: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣] ، وكما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:٧] ، فهذا هو القول الثاني، (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) أي: إن أمر الهداية وكذلك أمر الغواية موكول إلينا نحن، ولا يستطيعه نبي ولا ملكٌ ولا بشرٌ ولا أي خلق، إنما مرده إلينا، والمراد بالهداية: هداية التوفيق، أما هداية الدلالة، فقال الله عنها: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:٧] ، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] ، فهذه هداية الدلالة، أما هداية التوفيق فمردها إلى الله وحده، لم يملكها نوح لولده، ولا إبراهيم لأبيه، ولا نوح ولا لوط لزوجتيهما، ولا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لعمه، ولا يملكها أحد، قال الله سبحانه: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ} [الليل:١٢-١٣] ، أي: للدار الآخرة، (وَالأُولَى) ، أي: الحياة الدنيا.