للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم قسمة التركة قبل تنفيذ الوصية والدفن وغيرهما]

وقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:١١] ، أي: هذه القسمة كلها بعد الوصية وبعد الدَّين، وبعد أشياء أخر لم تذكر في كتاب الله؛ لكن ذكرها الفقهاء في كتبهم، مثل تكاليف الدفن والكفن وغيرهما فتخرج من رأس التركة قبل القسمة؛ لكن تكاليف المَحْزَنة لا تخرج؛ لأنها بدعة.

فالواجب هو الذي يخرج، وإذا تطوع بالواجب أحد الورثة فلا بأس، الواجب الذي يجب أن يُفعل كالغسل والكفن والدفن تخرُج قيمته؛ لكن أي شيء كالأكل للمعازيم والقهوة والشاي للمعازيم، كل هذا لا يخرُج من شيء فهو مال للورثة.

وهل الوصية واجبة أو مستحبة؟ أو لا واجبة ولا مستحبة؟ الوصية جائزة في بعض الأحيان، وتكون الوصية لغير الورثة؛ لما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) ، أي: أن أي واحد من الورثة لا يجوز للميت أو للمحتضر أن يوصي له، والحديث ضعيف من كل طرقه؛ لكن حصل إجماع العلماء على أنه لا وصية لوارث.

وهذا من الأحاديث الضعيفة التي عليها العمل، فهذا الحديث لا يثبت له أي طريق عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكل طريق مخدوشٌ فيه.

وقد نقل الشافعي إجماع العلماء على العمل به، فصرنا إلى العمل به كما عليه العلماء كافة.

فالوصية تكون لغير الورثة بما لا يتجاوز الثلث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم -لما ذهب إلى سعد بن أبي وقاص يعوده- (الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس) .

فمِن ثَمَّ كان ابن عباس يقول: (لو أن الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع لكان أنفع أو كان خيراً لهم؛ لأن الرسول قال: الثلث، والثلث كثير) .

ومعنى (غَضُّوا) في قوله: (لو أن الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع) .

نزلوا.

والشاهد من كتاب الله على ذلك؛ قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:٣٠] أي: يخفضوا من أبصارهم.

فهذا قول عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه.

وقولهم: إنها واجبة، فيه نظر! لأنه ليس هناك دليل يوجب الوصية.

ثم الوصول بها إلى الثلث وصولٌ بها إلى المنتهى، فالمستحب أن تكون كما قال ابن عباس: أقل من الثلث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير) ، وأن تكون الوصية لغير الورثة.