للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجه تخصيص ذكر الله عز وجل لإنزال هذه السورة]

قال الله: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور:١] .

إن قال قائل: كل السور أنزلها الله فلماذا خصت هذه السورة بالإنزال؟ ف

الجواب

لبعض مخلوقات الله سبحانه وتعالى، ولبعض سور كتاب الله مناقب تستأثر بأن توصف بها مع اشتراك غيرها معها في ذلك الوصف، فمثلاً: من مخلوقات الله: ناقة الله التي أخرجها الله سبحانه وتعالى لقوم صالح، قال صالح لقومه: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} [الأعراف:٧٣] مع أن كل النوق نوق لله سبحانه وتعالى، ولكن لماذا قال عن هذه الناقة خاصة إنها ناقة الله؟ قال فريق من العلماء: إن الإضافة إضافة تشريف، فمثلاً: المساجد كلها لله، لكن لماذا أطلق على البيت الحرام خاصة إنه بيت الله؟ لمزيد التشريف، وإلا فالأرض كلها لله، مساجدها، وأسواقها، وبيوتها، وكل ما فيها لله، لكن لماذا قيل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن:١٨] ؟ الإضافة هنا للتشريف، مع أن كل شيء لله.

كذلك قوله تعالى في عيسى بن مريم روح الله، {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:١٧١] مع أن كل البشر روح من الله، لكن إضافة روح الله إلى عيسى للتشريف.

فمن العلماء من قال: إن اختصاص هذه السورة بالإنزال لبيان تشريفها ومكانتها بين السور، ولعدد من سور القرآن فضل تستأثر به على سائر السور، فقد تجد سورة لها فضل لا تجده في غيرها من السور، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لما سمع نقيضاً من السماء وكان جالساً هو وأصحابه قال: (هذا باب من السماء فتح لم يفتح قبل اليوم، نزل منه ملك فقال: يا محمد! أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: سورة الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة) ، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فقرأ عليهم: قل هو الله أحد) ، فلبعض سور القرآن مناقب وفضائل لا تشاركها فيها سور أخرى.

قال تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور:١] .

في قوله تعالى: (وفرضناها) قراءتان: القراءة الأولى: (وفرّضناها) بالتشديد.

وقراءة: (وفرضناها) بالتخفيف.

(وفرّضناها) : أي: قطعناها وبيناها ما فيها حكماً حكماً.

(وفرضناها) (بالتخفيف) بمعنى: فرضنا ما فيها من أحكام، فكثير من أحكامها فرض، ففيها حدود: كحد الزنا، وحد القذف، وفيها أيضاً آداب: كأحكام النظر، وأحكام الاستئذان، وفيها جملة مسائل تأتي في ثناياها إن شاء الله تعالى، ومما ورد فيها: وجوب رد أي أمر مختلف فيه إلى حكم الله سبحانه وتعالى، وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر باتباعها التحذير من مخالفة النبي عليه الصلاة والسلام، إلى غير ذلك مما سيأتي.

{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ} [النور:١] آيات: أي: دلالات.

{آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [النور:١] أي: واضحات ظاهرات، فالبينات: الواضحات، والمبين: هو الواضح الظاهر.

{وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:١] .

أي: لعلكم بهذه الآيات تعتبرون وتتعظون وتنزجرون وتكفون عن المعاصي.

وابتداءً فسورة النور لم يثبت في فضلها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما الوارد من قولهم: (لا تعلموا نساءكم الكتابة، ولا تسكنوهن الغرف، وعلموهن الغزل وسورة النور) فحديث ضعيف جداً لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن متنه أيضاً في كثير من فقراته غير مقبول، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة: (ارقيها وعلميها حفصة كما علمتيها الكتابة) ففي قوله عليه الصلاة والسلام: (كما علمتيها الكتابة) دليل على أن النساء كان منهن من يتعلم الكتابة، وتعلم النساء الكتابة علم من العلوم، والذي عَلم علماً واستغله في طاعة الله يُحمد على ذلك، أما ما جاء من الشعر الماجن: ما للنساء وللخطابة والكتابة هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة فهذا بيت شعر ساقط لا وجه ولا مستند له لا من كتاب ولا من سنة، والأمر فيه كما قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء:٢٢٤-٢٢٧] الآيات.