للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يسألون آيان يوم الدين)]

{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات:١٢] ، متى هذا اليوم؟ قال سبحانه: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:١٣] أي: يحرقون ويعذبون.

{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات:١٤] أي: ذوقوا عذابكم، والفتنة لها معانٍ متعددة، الفتنة تطلق على الصرف وتطلق على التعذيب بالنار، وتطلق على الشرك، وغير ذلك.

فالفتنة لها معانٍ كثيرة متعددة، يفهم معناها من السياق {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات:١٦١-١٦٣] أي: بصارفين عن الدين.

لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت سعيداً فأصبح قد قلى كل مسلم وألقى مصابيح القراءة واشترى وصال الغواني بالكتاب المتيم والفتنة هنا الصرف.

{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:١٣] أي: يعذبون، {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات:١٤] ، ذوقوا عذابكم أو ذوقوا جزاء انصرافكم، {هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات:١٤] ، أي: هذا اليوم الآخر وهذا العذاب الذي كنتم به تستعجلون.

فإن قال قائل: وهل الكفار كانوا يستعجلون العذاب؟ فالإجابة: نعم، فقد كانوا يقولون: (رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:١٦] ، وكانوا يقولون: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:٣٢] .

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:١٥-١٦] .

يرى الطبري رحمه الله تعالى أن قوله: {آخذين ما آتاهم ربهم} أي: عاملين بالفرائض التي افترضها عليهم ربهم، وهذا القول قول ضعيف في هذا المقام، كما ضعفه الحافظ ابن كثير وغيره؛ وذلك لأن الجملة حالية، فهم آخذين ما آتاهم ربهم أثناء وجودهم في جنات وعيون، فعلى ذلك يكون معنى قوله تعالى والله أعلم بقوله: ((آخذين ما آتاهم ربهم)) أي: آخذين ما أنعم ومنَّ الله به عليهم في الجنان.

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} [الذاريات:١٦] ، أي: في الحياة الدنيا، {مُحْسِنِينَ} [الذاريات:١٦] ، وما هي أوجه الإحسان التي كانوا يفعلونها وبها استحقوا لفظ الإحسان؟ للإحسان وجوه عدة والمقصود به هنا -والله أعلم- ما كانوا عليه في الحياة الدنيا من الطاعة، التي تحلوا بها وتحققت.