للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم]

قال تعالى: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:١١٣] من العلماء من قال: إن المراد بالحكمة: السنة، واستشهد بأن سنة رسول الله وحيٌ يوحى، فالمعنى يستقيم (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) أي: الكتاب والسنة، وفي الحقيقة السنة كلها حكمة.

ومن أهل العلم من قال: إن المراد بالحكمة هنا: الفقه في الدين.

أي: تنزيل النص في المحل الذي يحتاج إليه، فلا يأتِ المرء إلى حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ويلقيه على رجل يسرق أو يزني، ولا يأتِ عند الخوارج ويقول لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) ، فهذا من عدم الحكمة، فالحكمة أن تضع النص في محله الذي يناسبه ويراد له، وهذا واضح.

وأصل الحكمة: المنع، فرجل حكيم: أي: يمنعه عقله وحكمته من أن يفعل شيئاً يؤاخذ عليه، ومنه قول الفرزدق: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا أي: يا بني حنيفة امنعوا السفهاء الذين فيكم من الحديث، فإنكم إذا لم تمنعوا السفهاء سأغضب وألقي فيكم شعراً، أو أفعل بكم وأفعل.

ومنه قيل لما يربط به المعز أو الحمير أو البقر حكمة؛ لأنها تحكمها وتمنعها من التصرف المخل، أو التصرف الذي لا يراد، فكذلك الرجل الحكيم يمنعه عقله وما معه من العلم أن يتصرف تصرفاً طائشاً.

قوله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:١١٣] أي: من أمور الإيمان والفقه ونحوها، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يعلم ما الكتاب ولا الإيمان كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:٥٢] .

وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:٣] فالذي علمه هو الله فينسحب أيضاً إلى مسائل القدر أن المُعلَّم من علمه الله سبحانه وتعالى، ومنه: قول موسى للخضر عليهما السلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:٦٦] ، وقول الملائكة: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:٣٢] ، فالمعلم أي علم كان، طبّاً، أو هندسة، أو صيدلة، أو علم كتابة، أو علماً شرعياً إنما علمه الله، ولذلك يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:١١٤] ، فمنشأه وأصله من الله سبحانه وتعالى.