للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسماء الله الحسنى]

قال الله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:٢٢] .

هذه إحدى آيات توحيد الإلهية، وهي في كتاب الله في عدة مواطن، قال الله جل ذكره: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:٩٨] ، وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] ، وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [آل عمران:٢-٣] ، إلى غير ذلك من الآيات.

فقوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) أي: عالم الظاهر والباطن، ويعلم ما ظهر ويعلم ما استتر سبحانه وتعالى، كما قال تعالى حكاية عن لقمان في موعظته لولده {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:١٦] ، فهو يعلم ما لطَف أي: ما دَقَّ، خبير بموطنه ومكانه سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:٢٢] قال فريق من العلماء: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ومن أهل العلم من قال: إن الرحمن أعم من الرحيم، فالرحمن رحمته عامة بالمسلمين وبالكافرين في الدنيا، أما الرحيم فأخص من الرحمن؛ لقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣] ، وعلى هذا بعض المآخذ، تأتي في محلها إن شاء الله.

واسم الرحمن قد اختص به ربنا سبحانه وتعالى، فقد قال فريق من أهل العلم إن مسيلمة الكذاب لما تشدق وتطاول، وأطلق على نفسه (رحمان اليمامة) وُسِم بالكذب ووصِف به إلى يوم الدين، فلا يُقال إلا: مسيلمة الكذاب، مع أن هناك كذابين آخرين، ككذاب اليمن الأسود العنسي، والمختار بن أبي عبيد الثقفي، وكلهم كذابون، لكن لفظة (الكذاب) كانت أشد التصاقاً بـ مسيلمة؛ لدعواه أنه رحمان اليمامة.

قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:٢٣] الملك: هو المالك المتصرف في كل شيء، والقدوس: هو المطهَّر، ومنه قولهم: لا قُدِّست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها، أي: ما طُهِّرت، ومنه قولهم: العاصمة المقدسة، أي المطهَّرة، وقوله تعالى: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} [طه:١٢] ، أي: المطهَّر، فالقدوس هو المُطَّهر.

وقوله تعالى: (السَّلامُ) للعلماء في المراد به أقوال: فمنهم من قال: هو المسلَّم من كل عيب ومن كل نقص، ومنهم من قال: هو الذي يسلِّم عباده المؤمنين من النيران، ويدخلهم الجنان، إلى غير ذلك من الأقوال.

وقوله تعالى: (الْمُؤْمِنُ) في معناها أقوال لأهل العلم كذلك، فمنهم من يقول: هو الذي يؤمِّن عباده المؤمنين، وقيل: هو الذي يصدق المؤمنين فيما ينقلونه عن ربهم سبحانه وتعالى، وثم أقوال أخر.

وقوله تعالى: (الْمُهَيْمِنُ) هو: الرقيب والشاهد، وقوله تعالى: (الْعَزِيزُ) أي: الذي لا يغلبه شيء ولا يُمانَع من شيءٍ أراده، وقوله تعالى: (الْجَبَّارُ) أي: الذي أجبر الخلق كلهم على أي شيء يريده، (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) .

قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:٢٤] (البارئ) بمعنى الخالق، ومن العلماء من أضاف إليها معنى وهو: إظهار ما برأ، بخلاف أهل الدنيا، فقد يخترع الشخص شيئاً، أو يأتي بفكرة الشيء ولا يستطيع إظهاره، أما ربنا تعالى فليس كذلك، فهو الذي ينفِّذ ما أراد، ويُخرِج ما خلق.

وقوله تعالى: (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) الحسنى: جمع الأحسن.

والتحرير يقتضي أن أسماء الله الحسنى لا يعلم عددها إلا هو، بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحداً هم ولا حزن فقال: اللهم! إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) ، فالله سبحانه استأثر عنده في علم الغيب بأسماء له لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

فأسماء الله الحسنى لا يحصيها إلا هو، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسماً -مائة إلا واحداً- من أحصاها دخل الجنة) ، فهذا في فضيلة تسعة وتسعين اسماً من الأسماء من أحصاها دخل الجنة.

ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحصاها دخل الجنة) اختلف فيه العلماء، قال بعضهم: أي: من عمل بها مع معرفته لها، فتعرض من اسم التواب لأفعال تجلب له توبة الله عليه، وتعرَّض من اسم الرحيم لأفعالٍ تجلب له رحمة الله عليه، فليس مجرد العلم هو المعني بقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحصاها دخل الجنة) .

وهنا فائدة ينبه عليها، وهي أن الله جل ذكره قال في كتابه الكريم: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٨٠] ، فإذا جئت تدعو باسم من أسماء الله الحسنى فعليك أن تأتي باسم يوافق المسألة التي تريد، ومن هنا لم يستحب العلماء أن تقول عند الذبح: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن الرحيم في هذا الموطن لا يتناسب مع الألم الذي جُرَّ إلى البهيمة، وإنما تقول: باسم الله، والله أكبر.

أي: إن كنت تظن أنك كبيرٌ على هذه المذبوحة، فالله سبحانه وتعالى أكبر منك، وأعظم منك، كما قال تعالى في شأن النساء: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:٣٤] أي: كبيراً عليكم إذا أنتم طغيتم على نسائكم وظلمتموهن، فالدعاء باسم من الأسماء الحسنى ينبغي أن يوافق المسألة التي تريد، مثال ذلك: (اشف أنت الشافي) ، (هازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم) ، (ارزقنا وأنت خير الرازقين) ، (اغفر لنا وأنت خير الغافرين) ، ولا تقل كما يفعل المقلدة من أئمة المساجد: اللهم! أذل الشرك والمشركين برحمتك يا أرحم الراحمين.

فكيف يذل الشرك بالرحمة؟! إنما يقال: وأذل الشرك والمشركين بعزتك يا رب العالمين! فالاسم ينبغي أن يوافق المسألة كما قال عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة:١١٤] ، وكما قال موسى عليه الصلاة والسلام: {فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف:١٥٥] .

ومن آداب الدعاء أن تتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى بين يدي الدعاء.

وقوله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز: منيع الجناب، عظيم السلطان، الذي لا يُغالب ولا يُمانع، والحكيم: الذي يفعل كل شيءٍ بحكمة، وأصل الحكمة: المنع، ومنه قيل للعاقل: (الحكيم) ؛ لأن عقله يمنعه من ارتكاب المحاذير، ومنه قولنا للحبل الذي تربط به الدابة: (الحَكَمَة) ؛ لأنه يحكِمها، ومنه قول الشاعر: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكمو أن أغضبا