للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تابع تفسير قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات.]

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد: فيقول الله تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:٢٨] ، والذين قالوا هذا لا يستلزم أن يكونوا هم الذين قالوا على مريم بهتاناً عظيماً، فإن الذين قالوا: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} هم قومها، لقول الله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا} [مريم:٢٧] أي: قال قومها: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:٢٨] ، أي: يا من تتشبهين بهارون في العبادة! ويا أخت هارون الصالح! {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:٢٨] ، فالقائلون قومها.

أما الذين حكى الله مقالتهم بقوله: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:١٥٦] فهم اليهود؛ لأن سياق الآيات فيه: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء:١٥٦-١٥٧] ، والقائلون أنهم قتلوه هم اليهود، {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧] .

الآيات.

فهذه أوجه الاعتراضات على من قال: إن التعريض بالقذف يعد قذفاً، فاستدل هؤلاء القائلون بأنه يعد قذفاً لقول قوم شعيب لشعيب: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:٨٧] يعنون: إنك لأنت السفيه الضال، ويقال لـ أبي جهل يوم القيامة: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:٤٩] ، وهو ليس بعزيز ولا كريم، إنما قيل له تبكيتاً له، أو الذي كان يدعي أنه العزيز الكريم.

واستُدِلَ لذلك أيضاً: بأن عمر أقام الحد -وهذا ينظر في إسناده- على الحطيئة الذي قال: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فظاهره المدح لكنه ذم أي: اقعد فإنك أنت المطعم المكسو كالنساء.

أي: فإنك امرأة تجلس في البيت تطعم وتكسى.

فالتعريض بالقذف الظاهر أنه لا يعد قذفاً.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:٤] .

ورد في رمي المحصنات حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منهن: وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) .

ورد في قذف المحصنات أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:٢٣-٢٥] .

فهذه جملة من النصوص في التحذير من رمي المرأة بالزنا فهو كبيرة من الكبائر، وهذا من محاسن ديننا الذي يحفظ أعراض النساء، بخلاف ما يتهم به الإسلام من قبل أعداء الله من الكفار والمنافقين بأنه ضيّع حق المرأة.

كلا.

ما ضيع الإسلام حق المرأة أبداً، فهذه الآية من أكبر الردود عليهم، فقد حذر الله الذين يرمون المحصنات أشد التحذير.

ويكفي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال مكرّماً المرأة حين قال له قائل: (من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك) فعقب بالأب في الرابعة.

ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا كنت أنا وهو في الجنة كهاتين) ، وفرق عليه الصلاة والسلام بين أصابعه، ويكفي أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بامرأة أتت عائشة تسألها صدقة، فتصدقت عليها عائشة بتمرة فقسمتها بين ابنتيها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أوجب لها بها الجنة) .

فديننا ليس فيه هضم للمرأة أبداً، بل نقم الله على الكفار الذين حكى الله مقالتهم بقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:٥٨-٥٩] .