{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}[المرسلات:٤١] قال بعض العلماء: إن القرآن أطلق عليه مثاني لأنه لا يذكر أهل الجنة إلا وثنى بذكر أهل النار والعكس، ومنهم من قال: مثاني؛ لأنه يثنى أي يكرر المعنى الواحد بأساليب متنوعة، مثلاً الحديث عن البعث يرد ذكره في سورة البقرة وفي سورة آل عمران وفي سورة النساء وفي سورة الحج بأساليب متنوعة.
قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}[المرسلات:٤١] والظلال متنوعة في يوم القيامة، فمن ذلك الظلال الذي في حديث (السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب ... ) ولكن هل هذا الظل هو ظل عرش الرحمن أم غيره، وقد ورد في رواية (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه ... ) لكنها ضعيفة.
ومن هذه الظلال ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها) قال أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}[الواقعة:٣٠] وقد جاء أيضاً (أن من أنظر معسراً أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وغير ذلك.
{وَعُيُونٍ}[المرسلات:٤١] والعيون: جمع عين وهي التي تتفجر من الأرض، والعيون تتنقل معهم حيث شاءوا كما ورد في تفسير قوله تعالى:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}[الإنسان:٦] أي: يفجرونها في أي مكان حلوا وفي أي موطن ارتحلوا إليه.
{وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ}[المرسلات:٤٢-٤٤] وأهل الإحسان هم أعلى مرتبة على الإجمال من أهل الإيمان، ولكن أحياناً يدخل عموم المؤمنين مع المحسنين، لكن التقعيد أن الإحسان أعلى مرتبة من الإيمان كما في حديث جبريل: أخبرني عن الإيمان ثم قال: أخبرني عن الإحسان.
وفي قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:٩٠] دليل على أن الإحسان أعلى وأرفع من مرتبة العدل، والعدل القصاص، والإحسان: العفو، فالله يأمر بالعدل ويأمر أيضاً بالإحسان، لكن الأمر بالعدل وجوباً والأمر بالإحسان أمر ندب واستحباب، والله يقول:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:١٣٤] أي: الذين عفوا عن الناس ولم يثأروا لأنفسهم ممن ظلمهم.