[الفرق بين الشهادة واليمين]
من العلماء من قال: الملاعنة شهادة؛ لأن الله سماها شهادة، فقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور:٦] ، ومن العلماء من قال: إنها يمين وهم الأكثر.
وهناك فرق بين الشهادة واليمين، فالشهادة تتطلب العدالة، أما اليمين فلا تتطلب العدالة، فإن اليمين قد تطلب من يهودي كافر.
قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري في حديث القسامة المشهور: (أترضون بأيمان خمسين من يهود؟ قالوا: إنهم يهود يا رسول الله.
فقال: مالكم إلا ذلك) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام، أما الشهادة فتستلزم العدالة؛ لأن الله يقول: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:٢] فإن قال قائل: قد سماها الله شهادة لقوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور:٦] ، فالإجابة: أن الشهادة تطلق على اليمين في بعض الأحيان.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة:١٠٦] والآية مصدرة (شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ) {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:١٠٦-١٠٨] .
فأطلق على الشهادة يميناً، ثم إن قوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:٦] ، يفيد أن اليمين يكون بالله.
أما أقوى وجه لترجيح أن المراد بالشهادة اليمين فهو سبب النزول؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تقسم أربعة أيمان بالله، فدل ذلك على أن المراد بالشهادة اليمين وليس المراد بها الشهادة التي هي كالشهادات على الطلاق ونحو ذلك، والله تعالى أعلم.
وقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:٦] ، الآية استلزمت خمسة شهود هنا، فالشهادات تختلف من شيء إلى شيء آخر والشهود كذلك، فمثلاً: الشهود على الأموال يتطلب شاهدين أو شاهداً ويمينه، أو رجلاً وامرأتين.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة:٢٨٢] ، إلى أن قال: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:٢٨٢] ، في شهادات الأموال إما رجلان أو رجل وامرأتان، والجمهور إذا لم يكن هناك إلا رجلاً واحد فتكفي معه يمينه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد مع اليمين.
شهادات الإرضاع: من العلماء من قال: يكفي فيها واحد لما أخرجه البخاري وفيه: (أن امرأة سوداء جاءت إلى رجل وقالت: إني أرضعتكما -أي: هو وزوجته- فقال النبي: كيف وقد قيل!) وفي الحدود لا بد أن يكون فيها أربعة شهود.